والإنسان بحكم طبيعة وجوده التي برأه الله عليها متردد بين الوحي بكماله من جهة والواقع بنقصه من جهة أخرى، وغاية الوحي الذي يحمل منهج الله للبشر أن يحقق للإنسان كمال وجوده في هذا الواقع، ولكنه لم يضع الإنسان معلقا بصورة مثالية مبتورة الصلة بواقعه الذي لا فكاك له منه بحيث إنه إن تمسك بهذه الصورة - كما في بعض الأديان الروحية - ساء واقعه الحياتي وتدهور حضاريا، وإن استنكف عنها انجذابا للواقع ولفرط مثاليتها - كما في المدن المثالية التي وضعها كثير من الفلاسفة فبقيت تخيلات نظرية - غمره الواقع بكل سوءاته التي لا تقف عند حد حتى ينحدر لبهيمية تقطعه عن خالقه وعن إنسانيته.
منهج الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم منهج متفرد في علاج هذه القضية إذ يجمع بين الارتقاء بالإنسان في وجوده الحضاري في مدارج الإنسانية الممكنة وبين اعتبار الواقع الذي يعيشه الإنسان في إمكاناته، وضغوطه، ونزعاته، وأعرافه، وسقفه الحضاري، ونحوها، فحقق للإنسان سعادته في ظل واقعه الذي يعيشه، ويتعايش فيه مع من حوله في يسر ورفع حرج وسلام وتسديد ومقاربة وتكليفات لا تتجاوز حدود طاقته البشرية.
وشريعة الإسلام لا تحصر هذا المنهج في المنتمين إليه فقط وإنما تعم برحمته العالمين كلهم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: ١٠٧]
المشكلة لدى بعض أبناء الأمة في هذا العصر نتيجة انفعال بالضغوط المحيطة بهم وبأمتهم أنهم جنحوا عن هذا المنهج السوي إلى أحد تطرفين: