للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد روعيت هاهنا نكتة رائقة: هي أن الجعل المشار إليه عبارة عما تقدم ذكره من هدايته تعالى إلى الحق الذي عبر عنه بالصراط المستقيم، الذي هو الطريق السوي الواقع في وسط الطرق الجائرة عن القصد إلى الجوانب، فإنا إذا فرضنا خطوطا كثيرة واصلة بين نقطتين متقابلتين، فالخط المستقيم إنما هو الخط الواقع في وسط تلك الخطوط المنحنية.

ومن ضرورة كونه وسطا بين الطرق الجائرة كون الأمة المهدية إليه أمة وسطا بين الأمم السالكة إلى تلك الطرق الزائغة أي متصفة بالخصال الحميدة خيارا وعدولا مزكين بالعلم والعمل (١) . والله أعلم (٢) .

ومن فوائد هذه الآية الإرشاد إلى أن كل خير ينفع الناس، فقد أمر الله به، ودعا إليه، وكل شر وفساد فقد نهى الله عنه وأمر بتركه، وهذا ضرورة كون هذه الأمة موصوفة بالخيرية، وأنها هديت إلى الصراط المستقيم.

وهذا الوصف بالوسطية ثبت في نصوص عديدة، تؤكد معنى التوسط وعدم الغلو في مظاهر الدين، من ذلك:

(٤) نهيه عن الغلو في الحكم بين الناس، حيث أمر بالعدل، والظلم خلاف العدل، وهو ميل إلى أحد الطرفين على حساب الآخر، قال الله تبارك


(١) من كلام أبي السعود، في تفسيره إرشاد العقل السليم / دار إحياء التراث / (١ / ١٧٢) .
(٢) وبالتقرير السابق تعلم أن الاستشهاد بآية (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) على معنى وسطية الإسلام، استدلال صحيح، خلافا لمن منع الاستدلال بها على معنى وسطية الإسلام. انظر أحكام القرآن لابن العربي (١ / ٥٠) ، وتابعه صاحب رسالة وسطية الإسلام / لعبد الرحمن حبنكة الميداني / مؤسسة الريان / ص ٩ - ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>