للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما بالنسبة للخطر الصليبي، فقد استمرت المناوشات بين المماليك والصليبيين وظلَّ المماليك يحقِّقون الانتصار تِلْوَ الانتصار، حتى كان تحقيق أعظمَ انتصار وأهمَّه وذلك بفتح عكا سنة ٦٩٠هـ (١) في عهد السلطان الأشرف بن قلاوون (٢)، وقد كانت تلك الضربة القاضية للصليبيين، إذ لم يَقُم لهم بعد ذلك قائمة، فما تَبقَّى لهم من مدن لم تَلْبَث أن شاركت عكا في مصيرها؛ وبذلك استطاع المماليك إنهاء التواجد الصليبي مُنهِيةً بذلك عهد الصليبيين في الشام (٣).

غير أنّ الصليبيين قد أعادوا الكرَّة، وذلك في الثلث الأخير من القرن الثامن الهجري وأغاروا على الإسكندرية واحتلوها سنة ٧٦٧هـ (٤)، ويصف لنا المؤرخ ابن كثير هذه الموقعة بقوله: ((وذلك أنّهم [الفرنج] وصلوا إليها [الإسكندرية]. . . فلم يجدوا بها نائباً ولا جيشاً ولا حافظاً للبحر ولا ناصراً، فدخلوها يوم الجمعة بُكْرة النهار بعد ما حرقوا أبواباً كثيرة منها، وعاثوا في أهلها فساداً، يقتّلون الرجال ويأخذون الأموال ويأسرون النساء والأطفال)) (٥).

واستمرَّ الفرنج ينهبون الإسكندرية حتى وصل السلطان والجيش المصري إليها فهرب الفرنج منها آخذين معهم كثيراً من الأموال والخيرات والأسرى (٦).

هكذا كان حال الدولة المملوكية في الخارج، دولة قوية مَنِيعَة مُهابَة الجانب استطاعت وَقْف الزحف المغولي، وإخراج بقايا فُلول الصليبيين من بلاد الشام.

أما في الداخل، فقد كان تاريخ المماليك متقلبا كثير الفوضى والاضطراب، حيث كانت الفتن ... والاضطرابات والصراع على السلطة هو المِيزة الرئيسة لعهد المماليك.


(١) الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة ٦٩٠هـ ص ٤٦، ابن كثير، البداية والنهاية (١٣/ ٣٦٩)
(٢) هو السلطان الأشرف صلاح الدين خليل بن الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي، كان ملكا مهيبا عالي الهمة تام الشكل كامل الحسن وافر الكرم، توفي مقتولا سنة ٦٩٣هـ. انظر: ابن حبيب، تذكرة النبيه (١/ ١٦٧)
(٣) الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة ٦٩٠هـ ص ٥٠ - ٥١، ابن كثير، البداية والنهاية (١٣/ ٣٦٩)، ابن حبيب، تذكرة النبيه في أيام المنصور ... وبنيه (١/ ١٣٧)، ابن العماد، شذرات الذهب (٦/ ٧٦)
(٤) ابن كثير، البداية والنهاية (١٣/ ٧٤٥)، ابن حبيب، تذكرة النبيه (٣/ ٢٨٨)
(٥) البداية والنهاية (١٣/ ٧٤٥)
(٦) انظر تفاصيل هذه الحملة وما جرى في تلك الحقبة في: ابن كثير، البداية والنهاية (١٣/ ٧٤٥)، ابن حبيب، تذكرة النبيه (٣/ ٢٨٨)، ابن القاضي شهبة، تاريخ ابن قاضي شهبة (٣/ ٢٧٠)، السخاوي، وجيز الكلام (١/ ١٤٧)، ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (١١/ ٢٤)، ابن إياس، بدائع الزهور (١/ ٢٣)

<<  <   >  >>