للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للفظ كقط، قبضتُ عشرة فقط مثلها، واقتضى كلامُ الناظم أنها -يعني حسب- تعرب نصباً إذا نُكّرت كـ (قبل وبعد)، وليسَ الأمر كذلك، قَبْلُ كَغَيْرُ بَعْدُ حَسْبُ إذن مثلها، لأنه سوَّى والحكم واحد، وَأعْرَبُوا نَصْباً -كما قال هنا- إِذَا مَا نُكِّرَا ... قَبْلاً وَمَا مِنْ بَعْدِهِ قَدْ ذُكِرَا، الذي هو حسب أيضاً، وهذا لم يُنقَل في لسان العرب أن حسب تُعامل معاملة (قبلاً وغيراً) إذا قُطعت عن الإضافة، يعني لا يقال (حسباً) كما نصَّ على ذلك ابن هشام رحمه الله تعالى.

إذن اقتضى كلام الناظم أن حسب تُعرب نصباً إذا نُكّرت كـ (قبل وبعد)، فمراده التنكير الذي ذكره في (قبل وبعد)، وهو أنها تُقطع عن الإضافة لفظاً وتقديراً ويُنصَب على الظرفية بحيث يقال: (رأيت زيداً حسباً)، كما يقال: (قبلاً وبعداً)، أو (فحسباً)، ولم يُسمَع ذلك في لسان العرب قط، فهذا مما يُستدرَك به على الناظم، إذن فحسب نقول: هذا فيه مأخذ على الناظم مِن حيث الإطلاق؛ لأنه أطلقَ حسب بأنها مثل (غير وبعد وقبل) في كونها لها أربعة أحوال باستعماليها في لسان العرب، والصواب التفصيل، أنها تُستعمَل بمعنى كافٍ اسم فاعل، ولها الأحوال التي ذكرناها، ولها استعمالٌ آخر وهو الاستعمال السابق، لكنه إذا ضُمّن معنى لا غير، فحينئذٍ يأتي فيها التفصيل والأحوال الأربعة، ثم قوله: وَأعْرَبُوا نَصْباً إِذَا مَا نُكِّرَا قَبْلاً وَمَا مِنْ بَعْدِهِ، هذا يُفهَم منه أن (حسباً) هكذا يُنطق به إذا قُطِع عن الإضافة لفظاً ومعنى مثل (غير)، وأنه يكون منصوباً على الظرفية، وهذا لم يُسمع في (حسب).

قَبْلُ كَغَيْرُ بَعْدُ حَسْبُ أَوَّلُ

أَوَّلُ: معطوف على حَسْبُ، أَوَّلُ وهو نقيض الآخر.

وأصله أوأل بهمزة بعد الواو أوأل بدليل جمعِهِ على أوائل، فقُلِبت هذه الهمزة واواً وأُدغمت فيها الواو الأولى أَوَّلُ بالتشديد، أوأل الواو الثانية أصلُها همزة .. أوأل، نقول: أوائل دلَّ على أن بعد الواو همزة، مِن أينَ جاءت والجمع يردُّ الأشياء إلى أصولها؟

إذن: أوَّل الواو الثانية هذه مُبدَلة عن همزة، فأصلُه أوأل، يعني بهمزة بعد الواو. وأصله أوأل بدليل جمعه على أوائل، وقُلبَت هذه الهمزة واوا وأُدغِمت فيها الواو الأولى، وعرفنا معناه المراد بها نقيض الآخر.

دُونُ: هذا اسمٌ للمكان الأدنى من مكان المضاف إليه كجلستُ دونَ زيد، ثم تُوسِّع فيه فاستُعمِل في الرتبة المفضولة .. أنزل، الدنو يعني، تشبيهاً للمعقول بالمحسوس كـ (زيدٌ دون عمروٍ) دونه في الرتبة، ثم تُوسِّع فيه باستعماله في مُطلق تجاوز شيء إلى شيء كـ (فعلت بزيد الإكرامَ دون الإهانة)، و (أكرمت زيداً دون عمرو).

أَوَّلُ ودُونُ وَالجِْهَاتُ: الجهات الست، أي أسماؤها، وهي أمامك وخلفك وفوقك وتحتك ويمينك، نصبت أو ورفعت وشمالك.

وَعَلُ: بمعنى فوق، هذا المشهور، عَلُ تُوافِق فوقَ في إفادة معناها، وهو العلو (وَعَلُ) هذا معطوف على ما سبق، أو وَعَلُ كذلك على أنها مبتدأ خبره محذوف، يجوزُ هذا وذاك، والثاني أولى.