للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إذن في هذا الاستعمال الثاني، يعني كونها تأتي مبتدأ واسم إن وخبر، يُردّ على مَن زعمَ أنها اسمُ فعلٍ بمعنى يكفي، فإن العوامل اللفظية (إن والباء) لا تدخل على أسماءِ الأفعال باتفاق، هذا محلّ وفاقٍ بينهم، ولا العوامل المعنوية على الأصحّ عند النحاة، هذا النوع الأول: استعمال حسب، حينئذٍ هل هي داخلة في قول الناظم: قَبْلُ كَغَيْرُ بَعْدُ حَسْبُ، بالاستعمال الأول هل هي داخلة في قول الناظم: حَسْبُ؟ لا ما يمكن، ما تدخل، لماذا؟ قلنا: تأتي نعتاً وتأتي حالاً وتأتي مستعملة استعمال الأسماء، وفي هذه الأحوال الثلاثة ليست مبنية، إذن إذا كانت بمعنى كافٍ اسم فاعل يكفي، حينئذٍ نقول: لا تكون داخلة في قول الناظم البتة.

النوع الثاني في حسب .. الاستعمال في لسان العرب: أن تكونَ حسب بمنزلة "لا غير" في المعنى، فتُستعمَل مفردة، يعني الإضافة في اللفظ، ويُنوى لفظ المضاف إليه وهذه حسب هي حسب المتقدمة، في الاستعمالين السابقين، ولكنها عندَ قطعِها عن الإضافة تجدد لها إشرابها هذا المعنى الدال على النفي، يعني لما قُطعت عن الإضافة ضُمِّنت معنى "لا غير"، وإذا كان كذلك حينئذٍ حُمِلت على "لا غير" في الاستعمالات الثلاث أو الأربعة السابقة، فإذا حُذِف المضاف إليه ونُوِي معناه، حينئذٍ بُنيت (حسب) على الضم كغير، وإذا ذُكر المضاف إليه حينئذٍ أُعربت، وإذا حُذِف المضاف إليه ونُوِي لفظه دونَ معناه حينئذٍ أعربت .. فلها الأحوال السابقة كلها، إذن هي نفسها السابقة، ولكنها أُشرِبت معنى "لا غير"، فحُمِلت على ذلك المعنى الذي دلَّ عليه "لا غير".

هذا المعنى الدالّ على النفي وتجدد لها ملازمته للوصفية والحالية أو الابتدائية، وبناؤها على الضمّ بعد أن كانت معربة، بحسب العوامل، تقول في الوصفية: (مررتُ برجلٍ حسبِك من رجل)، احذف المضاف، تقول: (رأيت رجلاً حسبُ)، حذفتَ المضاف ونويتَ معناه، والحالية: (رأيت زيداً حسبُ)، فحُذف المضاف إليه منهما ونُوي معناه فبُنيت على الضم.

قال الجوهري: كأنّك قلت: حسبي، يعني بذكر المضاف، ثم حذفتَه ونويتَ معناه فقلت: حسبُ، أو حسبُك، ويكونُ المضاف حينئذٍ الكاف فحذفتَه ونويت معناه فقلت: حسبُ، بنيتَ على الضم، فأضمرتَ ذلك ولم تُنوِّن، أي: حذفتَ المضاف إليه منهما، وأضمرتَه في نفسك، ولم تُنوِّن؛ لأنك نويتَ معنى المضاف إليه فبنيتَها على الضم كقبل وبعد.

إذن: (حسب) كـ (قبل) و (بعد) متى؟ إذا أشربت معنى: "لا غير"، ليست على الإطلاق الذي ذكره الناظم.

وتقول في الابتداء: قبضتُ عشرةً فحسبُ، هذا مبتدأ حذف خبره، أي: فحسبي ذلك، والمعنى قبضتُ عشرة لا غير، نفس المعنى، قبضتُ عشرةً فحسبُ، قبضتُ عشرةً لا غيرُ .. المعنى واحد، إذن نُزِّلت حسب، أو ضُمِّنت معنى "لا غير" فحُمِلت عليها في البناء، وذلك فيما إذا حُذِف المضاف إليه ونُوِي معناه.

ودخلت الفاء تزييناً للفظ حسبُ، الفاء هذه فحسب هي حسب، لماذا دخلت الفاء؟ هذا مثل فقط، أصلها قط، فدخلت عليها الفاء تزييناً للفظ.