للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال ابن عقيل هنا: "يجوز في جواب غير النفي من الأشياء التي سبق ذكرها: أن تجزم إذا سقطت الفاء وَقُصِد الجزاء: زرني أزرْك، وكذا الباقي، وهل هو مجزوم بشرط مُقدَّر؟ زرني فإن تزرني أزرك، أو بالجملة قبله؟ قولان، ولا يجوز الجزم في النفي فلا تقل: ما تأتينا تُحَدِّثْنَا ".

جمهور النُّحاة ذهبوا إلى أنَّ الجازم بعد الطلب هو شرطٌ مُقدِّر يعني: (إِنْ) شرطيَّة مُقدَّرة، تقديره: زرني إنْ تزرني أزرك، فـ (أزرْك) هذا مجزومٌ بـ (إِنْ) المُقدَّرة، وهذا كثير مُطَّرد، ولذلك ارتبك النُّحاة فيه.

أي: أداة شرط مُقدَّرة، وذهبوا أيضاً إلى أنَّه يجب تقدير (إِنْ) من بين أدوات الشَّرط، لأنَّها هي أمُّ الباب حينئذٍ تعمل ملفوظاً بها وتعمل مُقدَّرة مثل (أَنْ) المصدرية، وقيل: أنَّ الجازم هو نفس الجملة السابقة، وهؤلاء على فريقين:

فريقٌ منهم قال: تضمَّنَت الجملة معنى الشَّرط فعملت عمله كما عمل (ضرباً) في نحو قولك: ضرباً زيداً، عَمِل عَمَلَ (اضرب) حين تضمَّن معناه، حينئذٍ يكون الجازم نفس الطلب المتقدِّم، لأنَّه تضمَّن معنى أداة الشَّرط، وهذا قول الخليل وسيبويه، والأول قول جمهور النُّحاة وخاصةً المتأخرين منهم.

والقول الثاني: أنَّ العامل هو الطَّلب نفسه المُتقدِّم، لكنَّه لا على جهة التَّضمُّن وإنَّما على جهة النيابة، فكأنه ناب عن (إِنْ) الشرطية.

على كلٍّ: القول بالطلب .. بأنَّه مقدَّر له وجه، ولذلك قيل أنَّه معنوي، ويضاف إلى ما سبق من التَّجرُّد والابتداء.

إذاً: الجمهور على أنَّ الجازم بعد الطلب هو شرطٌ مُقدَّر دلَّ عليه الطلب نفسه .. كونه واقعاً في جواب الطلب، ولذلك قال هنا: وهل هو مجزومٌ بشرطٍ مُقدِّر؟ أي: زرني فإن تزرني أزرك، أو بالجملة قبله؟ قولان، ولم يُرجِّح لقوة الخلاف في هذه المسألة، فالمسألة محتملة: أن يُقال بأنَّه شرطٌ مُقدَّر، أو يُقال بأنَّ الجملة السابقة تضمَّنت معنى الشَّرط، أو يُقال بأنَّ الجملة السابقة نابت مناب الشرط، ثلاثة أقوال.

ثُمَّ قال:

وَشَرْطُ جَزْمٍ بَعْدَ نَهْيٍ أَنْ تَضَعْ ... إِنْ قَبْلَ لاَ دُونَ تَخَالُفٍ يَقَعْ

(شَرْطُ جَزْمٍ) .. ما سبق عمَّمَ النَّاظم، هذا استثناءٌ بعد القاعدة السابقة.

وَبَعْدَ غَيْرِ النَّفْيِ جَزْماً اعْتَمِدْ ... إِنْ تَسْقُطِ الْفَا ... . . .

(بَعْدَ غَيرِ النَّفْيِ) دخل فيه النهي، هل كل نَهيٍ إذا سقطت الفاء وَقُصِد الجزاء يصحُّ الجزم أم فيه تفصيل؟ قال: فيه تفصيل، هذا استثناء واستدراك لِمَا سبق.

قال: (وَشَرْطُ جَزْمٍ) بعد إسقاط فاء السَّببيَّة وقصد الجزاء، وكان واقعاً في جواب النهي .. شرط النهي أن تضع (إِنْ) الشَّرطيَّة قبل (لا)، فإن صَحَّ التركيب صَحَّ الجزم، وإن لم يصح .. فسد المعنى لم يصح الجزم، ولو أسقطت الفاء وقَصَدْتَ الجزاء، يعني: ليس كلما كانت الفاء السَّببيَّة واقعة في جواب نهيٍ فأسقطت الفاء وقصدت الجزاء صح الجزم لا، هذا يُستثنى النهي فقط، إن صحَّ أن يُركَّب (إِنْ لا) وصَحَّ المعنى صَحَّ الجزم وإلا فلا، ولو أسقطت الفاء وقصدت الجزاء.