للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكذا بقية الأمثلة: لا تعص الله يدخلك الجنة .. فيدخلَك، إن ذكرت الفاء نصبت، وإن أسقطت الفاء وقصدت الجزاء جزمت، ويا رَبِّ وفقني أُطِعْكَ .. أُطِيعَكَ .. أُطِعْك .. فأُطِيعَكَ، وهل تزورُني أزرْك، وليت لي مالاً أنفقْه، وألا تَنْزِل تُصِبْ خيراً، لولا تجيء أكرمْك، ولعلك تَقْدم أحسنْ إليك.

إذاً: كل هذه أمثلة لِمَا سبق .. النصب بعد فاء السَّببيَّة بـ (أَنْ) مضمرة وجوباً، أسقط الفاء وانوِ الجزاء أنَّ ما بعده مُترتِّبٌ على ما قبله، حينئذٍ نقول: جزمت، وتقصد الجزاء لأنَّك إذا أسقطت الفاء .. الفاء دالَّةٌ على السَّببيَّة، ما بعده مرتَّبٌ على ما قبله، إذا أسقطتها ذهب المعنى الذي هو السَّببيَّة، ترتُّب الجواب على الشَّرط، حينئذٍ يَتعيَّن أنك تنوي الجزاء.

فمعنى الفاء ثابتٌ بعد إسقاطها (وَالجَزَاءُ قَدْ قُصِدْ) الذي دلَّت عليه فاء السَّببيَّة هو الجزاء قُصِد بعد حذفها، إذاً: مجرَّد حذفها في اللفظ فحسب، فَقُصِد الجزاء فحينئذٍ لا يقال بأن (أَنْ) مضمرة بعد فاء السَّببيَّة وهي محذوفة، إنَّما المسموع بعد لفظك بفاء السَّببيَّة فتضمر (أَنْ) أمَّا بعد حذفها فهذا لم يُسْمَع حينئذٍ تعيَّن الجزم.

وَبَعْدَ غَيرِ النَّفْيِ جَزْماً اعْتَمِدْ ..

إذا سقطت الفاء بعد الطلب وقُصِد معنى الجزاء جُزِم الفعل جواباً لشرط مُقدَّر لا للطَّلب لتضمُّنه معنى الشرط.

(وَالجَزَاءُ قَدْ قُصِدْ) معناه: أنْ تُقدِّر الفعل المضارع مُسبَّباً عن الطَّلب المتقدِّم ومترتِّباً عليه، كما أن جزاء الشَّرط وجوابه متسبِّبٌ عن فعل الشرط ومترتِّبٌ عليه، معنى الشَّرطيَّة .. الشَّرط والجواب هذا المراد به.

(وَالجَزَاءُ قَدْ قُصِدْ) احترز به عمَّا إذا لم يُقْصَد الجزاء فإنه لا يُجزم بل يرفع، إذا لم تقصد الجزاء وجب الرَّفع، وإذا قصدت الجزاء جزمت: {إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ} إذاً: النيَّة هنا لها دورٌ في هذا التركيب، إن نويت الجزاء جزمت، وإن لم تنوِ حينئذٍ رفعت، وهذا واضح بَيِّن أن النِيَّة لها مُتعلَّق في أبواب كثيرة من النَّحو.

فإنه لا يُجْزَم بل يُرْفَع إمَّا مقصوداً به الوصف، نحو: ليت لي مالاً أُنْفِقُ منه، ليت لي مالاً أُنْفِقْ منه، إذا قصدت الجزاء (أُنْفِقْ) بالجزم، إذا لم تقصد .. جعلته وصفاً لِمَا سبق: مالاً أُنْفِقُ منه، فالجملة صفة لـ (مال) إذا لم تقصد به الجزاء، حينئذٍ رفعت .. تعيَّن الرفع.

أو الحال والاستئناف: ويحتملهما قوله: ((فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخَافُ دَرَكًا)) [طه:٧٧] هذا يَحتمل أنَّه استئناف ويَحتمل أنَّه حال.

قال في (شرح الكافيَّة): " الجزم عند التَّعري من الفاء جائزٌ بالإجماع" لكن بشرط قصد الجزاء .. لا بُدَّ من الشَّرط.

(وَبَعْدَ غَيرِ النَّفْيِ) (بَعْدَ) هذا مُتعلِّق بقوله: (اعْتَمِدْ) اعْتَمِدْ جَزْماً بَعْدَ غَيرِ النَّفْيِ، و (غَيرُ النَّفْيِ) هو الطَّلب، بشرط (إانْ تَسْقُطِ الفَا) السَّببيَّة (وَالجَزَاءُ قَدْ قُصِدْ) فإن لم تسقط الفاء فهو على الأصل، وإن سقطت الفاء ولم تقصد الجزاء وجب الرَّفع.