للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَبَعْدَ غَيرِ النَّفْيِ) ما هو غير النفي؟ الطَّلب (جَزْماً اعْتَمِدْ) اعتَمِد جزماً، يعني: الجزم، (جَزْمَاً) هذا مفعول مُقَدَّم لقوله (اعْتَمِدْ)، (إِنْ تَسْقُطِ الفَا) السابقة، (وَالجَزَاءُ قَدْ قُصِدْ) إن جمعت بين الاثنين حينئذٍ جزمت الفعل المضارع، وهذا الذي دائماً نقول: أنَّه في جواب الطَّلب: ((قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ)) [الأنعام:١٥١] .. زُرْنِي فَأَزورَكَ، قلنا: (فَأَزورَكَ) هذا فعل مضارع منصوب بـ (أَنْ) مضمرة، أسقط الفاء ثُمَّ اقصد الجزاء: زُرْنِي أَزُرْكَ، إذاً: جُزِم الفعل لكن بشرط .. الشرطين المتحقِّقة في الفاء السببية: أن يكون واقعاً في جواب طلب، ثُمَّ تقصد الجزاء بعد إسقاط الفاء.

حينئذٍ نقول: مجزومٌ واختُلِف في الجازم على ثلاثة أقوال أو أربعة، والمشهور: أنَّه واقعٌ في جواب الطَّلب: ((قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ)) [الأنعام:١٥١] (أَتْلُ) هذا فعل مضارع مجزوم، أين الجازم؟ (قُلْ تَعَالَوْا فأَتْلُ) الأصل فيه: أنَّه منصوب، فسقطت الفاء وقُصِد الجزاء فَجُزِم الفعل.

هذا الذي عناه بهذا البيت، وإلا الأصل هذا يعتبر من أدوات الجزم، لكن ذكره هنا لمناسبة ما سبق .. تتميماً للفائدة، شَرَط في الفاء السببية أن تكون في جواب الطَّلب، فحينئذٍ لو سقطت الفاء وقُصِد الجزاء جاز بل تجزم.

(وَبَعْدَ غَيرِ النَّفْيِ) (النَّفْيِ) وهو الطَّلب، وأمَّا النفي فلا يُجزم بعد النَّفي، أي: فلا يُجْزم جوابه لأنَّه يقتضي تَحقُّق عدم الوقوع كما يقتضي الإيجاب تَحقُّق الوقوع، الإيجاب الذي هو جواب الشرط، جواب الشرط يقتضي تحقُّق الوقوع، والنَّفي يقتضي عدم تحقُّق الوقوع.

إذاً: لا يُجْزَم جوابه الذي هو النَّفي، لأنَّه يقتضي تحقُّقَ عدم الوقوع كما يقتضي الإيجاب تحقُّق الوقوع، فلا يُجْزَمُ بعده كما لا يُجْزَم بعد الإيجاب.

(وَبَعْدَ غَيرِ النَّفْيِ جَزْماً) هذا مفعول مُقَدَّم لقوله: (اعْتَمِدْ) أي: اعتمد الجزم، متى؟ (إِنْ تَسْقُطِ الفَاءُ) حذف الهمزة هنا للضَّرورة .. قصره للضرورة، (وَالجَزَاءُ قَدْ قُصِدْ) يعني: والحال أنَّ (الجَزَاءُ قَدْ قُصِدْ) يعني: الجزاء مقصود، أي: انفردت الفاء عن الواو فالحكم خاصٌّ بالفاء لا بالواو، لذلك نصَّ عليها: (إِنْ تَسْقُطِ الفَا) ولم يذكر الواو فدل على أن الحكم هنا خاصٌّ بالفاء.

أي: انفردت الفاء عن الواو بأن الفعل بعدها ينجزم عند سقوطها بشرط أن يقصد الجزاء، وذلك بعد الطَّلب بأنواعه كقوله:

قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبيبٍ ..

قفا .. قفاً على قولٍ، (قِفَاً نَبْكِ) (نَبْكِ) فعل مضارع مجزوم، ما الجازم؟ وقوعه في جواب الطَّلب الأصل: (قِفَاً فَنَبْكِيَ) حينئذٍ نقول: أصله النَّصب بعد فاء السببية بـ (أَنْ) مضمرة، فأُسْقِطت الفاء وَقُصِد الجزاء فَجُزِم، إذاً: (قِفَاً نَبْكِ) ((قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا)) [النور:٣٠] أصله: (يَغُضُّون)، مثل قول: ((قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ)) [الأنعام:١٥١].