للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بدنياكم، أنتم بها مستوصون، وأنتم عليها حراص، وإنما أوصيكم بآخرتكم، فخذوا من دار الفناء لدار البقاء، واجعلوا الدنيا كشيء فارقتموه، فوالله لتفارقنها، واجعلوا الموت كشيء ذقتموه، فوالله لتذوقنه، واجعلوا الآخرة كشيء نزلتموه، فوالله لتنزلنها (١).

ننافس في الدنيا ونحن نعيبها ... وقد حذرتناها لعمري خطوبها

وما نحسب الأيام تنقضي مدة ... على أنها فينا سريع دبيبها

كأني برهط يحملون جنازتي ... إلى حفرة يحثى عليَّ كثيبها

وكم ثم من مسترجع متوجع ... ونائحة يعلو على نحيبها

وباكية تبكي عليَّ وإنني ... لفي غفلة من صوتها ما أجيبها

أيا هادم اللذات ما منك مهرب ... تحاذر نفسي منك ما سيصيبها

وإني لمن يكره الموت والبلا ... ويعجبه روح الحياة وطيبها

رأيت المنايا قسمت بين أنفس ... ونفسي سيأتي بعدهن نصيبها (٢)

ذكر عن شفيق البلخي أنه قال: الناس يقولون ثلاثة أقوال وقد تألفوها في أعمالهم: يقولون: نحن عبيد الله وهم يعملون عمل الأحرار، وهذا خلاف قولهم، ويقولون: إن الله كفيل بأرزاقنا، ولا تطمئن قلوبهم إلا بالدنيا وجمع حطامها، وهذا أيضًا خلاف قولهم، ويقولون: لا بد لنا من الموت وهم يعملون أعمال من لا يموت، وهذا أيضًا خلاف قولهم (٣).


(١) صفة الصفوة: ٤/ ١٥١.
(٢) حلية الأولياء: ١٠/ ١٤١.
(٣) مكاشفة القلوب: ٣٥.

<<  <   >  >>