للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقدْ فسَّر العلماءُ هذهِ الآية: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ} [المجادلة: ٧] إلى قولهِ: {هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: ٧]، إنَّما عنى بذلكَ: عِلْمُهُ، ألاَ ترى أنَّهُ قالَ في أوَّلِ الآيةِ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: ٧]، فرجعتِ الهاءُ والواوُ منْ هو على عِلْمِهِ لا على ذَاتِهِ. ثمَّ قالَ في آخرِ الآيةِ: {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: ٧]، فعادَ الوصفُ إلى العلمِ، وبَيَّنَ أنَّهُ إنَّما أرادَ بذلكَ العِلْمَ، وأنَّهُ عليمٌ بأمورِهم كُلِّها» (١).

وقالَ رحمه الله: «بابُ ذِكْرِ العَرْشِ والإيمانِ بأنَّ لله تعالى عَرْشًا فوقَ السَّمواتِ السَّبْعِ.

اعلموا - رحمكمُ الله -: أنَّ الجهميةَ تجحدُ أنَّ لله عرشًا، وقالوا: لا نقولُ إنَّ اللهَ على العَرْشِ؛ لأنَّهُ أعظمُ مِنَ العرشِ، ومتىَ اعترفنا أنَّه على العرشِ؛ فقدْ حَدَّدْناهُ، وقدْ خَلَتْ منهُ أماكنُ كثيرةٌ غيرُ العرشِ؛ فرَدُّوا نصَّ التنزيلِ، وكذَّبوا أخبارَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم.

قال اللهُ تعالى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: ٥]. وقال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَانُ} [الفرقان: ٥٩].وقال: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: ٧].

وجاءتِ الأخبارُ، وصحيحُ الآثارِ منْ جهةِ النَّقلِ عَنْ أهلِ العدالةِ، وأئمَّةِ المسلمينَ عَنِ المصطفى صلى الله عليه وسلم منْ ذِكْرِ العرشِ ما لا يُنْكِرُهُ إلا المُلْحِدَةُ الضَّالَّةُ» (٢).


(١) راجع: المختار من الإبانة (٣/ ١٣٦ - ١٤٤).
(٢) المصدر السابق (ص١٦٨).

<<  <   >  >>