للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فشبَّهَ الرؤيةَ بالرؤيةِ، وإنْ لم يكنْ المرئيُّ مشابهًا للمرئيِّ؛ فالمؤمنونَ إذا رأوا ربَّهم يومَ القيامةِ وناجوهُ كلٌّ يراهُ فوقهُ قِبَلَ وجههِ، كما يُرى الشمسُ والقمرُ، ولا منافاةَ أصلًا.

ومنْ كانَ لهُ نصيبٌ مِنَ المعرفةِ بالله، والرسوخِ في العلمِ بالله: يكونُ إقرارهُ للكتابِ والسنَّةِ على ما هما عليهِ أوكد (١).

فقدْ تبيَّن بهذا الكلامِ «أنَّ ما جاءَ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا البابِ وغيرهِ، كلُّهُ حقٌّ يصدِّقُ بعضهُ بعضًا، وهو موافقٌ لفطرةِ الخلائقِ، وما جعلَ فيهِ مِنَ العقولِ الصَّريحةِ، والقصودِ الصَّحيحةِ، لا يخالفُ العقلَ الصَّريحَ، ولا القصدَ الصَّحيحَ، ولا الفطرةَ المستقيمةَ، ولا النَّقلَ الصحيحَ الثَّابتَ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.

وإنَّما يظنُّ تعارضها: منْ صدَّقَ بباطلٍ، مِنَ النقولِ، أو فهمَ منهُ ما لم يدلَّ عليهِ؛ أو اعتقدَ شيئًا ظنَّهُ مِنَ العقلياتِ وهوَ مِنَ الجهلياتِ. أو مِنَ الكشوفاتِ وهوَ مِنَ الكسوفاتِ» (٢).

الشبهة الثامنة

يستدلُّ المشتغلونَ بعلمِ الكلامِ بقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنتَ الظّاهِرُ فَلَيسَ فَوْقَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شيءٌ» (٣) عَلَى نفيِ العلوِّ.

وهذا الاستدلالُ باطلٌ منْ وجهينِ:

الوجهُ الأوَّلُ:

قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنتَ الظّاهر فَلَيسَ فَوْقَكَ شيءٌ» إثباتٌ صريحٌ لفوقيَّةِ اللهِ عَلَى كلِّ شيءٍ، ونفيُها عنْ كلِّ شيءٍ؛ فإنَّ الظاهرَ معناه: هو العالي فوقَ كلِّ شيءٍ فلا شيءَ أعلى منهُ. وهذا غايةُ الكمالِ في العلوِّ أنْ لا يكون فوقَ العالي شيءٌ موجودٌ، واللهُ موصوفٌ بذلكَ (٤).


(١) مجموع الفتاوى (٥/ ١٠٧، ٥٧٧) و (٦/ ٥٦٩).
(٢) مجموع الفتاوى (٦/ ٥٨٠).
(٣) رواه مسلم (٢٧١٣).
(٤) درء تعارض العقل والنقل (٧/ ١١).

<<  <   >  >>