هل مذهبُ السَّلفِ أسلمُ، ومذهبُ الخلفِ أحكمُ وأعلمُ؟
شاعَ عندَ المتأخرينَ مِنَ المتكلِّمينَ: أنَّ طريقةَ السَّلفِ أسلمُ، وأنَّ طريقةَ الخلفِ أحكمُ، وهذا ليس بمستقيمٍ؛ لأنَّه ظنَّ أنَّ طريقةَ السَّلفِ مجرَّدُ الإيمانِ بألفاظِ القرآنِ والحديثِ منْ غير فقهٍ في ذلكَ، وأنَّ طريقةَ الخلفِ هي استخراجُ معاني النُّصوصِ المصروفةِ عنْ حقائقها بأنواعِ المجازاتِ.
فجمعَ هذا القائلُ بينَ الجهلِ بطريقةِ السَّلفِ، والدَّعوى في طريقةِ الخلفِ.
ثمَّ هذا القولُ إذا تدبَّرهُ الإنسانُ وجدَهُ في غايةِ الجهالةِ؛ بلْ في غايةِ الضَّلالة.
أليسَ هذا صريحًا: أنَّ السَّلفَ كانوا ضالِّينَ عَنِ التوحيدِ والتنزيهِ وعَلِمَهُ المتأخرونَ؟! وهذا فاسدٌ بضرورةِ العلمِ الصحيحِ والدينِ المتينِ ... فيصفونَ إخوانهم بالفضيلةِ في العلمِ والبيانِ، والتحقيقِ والعرفانِ، والسَّلفَ بالنَّقصِ في ذلكَ والتقصيرِ فيهِ، أو الخطأ والجهلِ.
ولا ريبَ أنَّ هذا وإنْ لمْ يكنْ تكفيرًا للسَّلفِ، ولا تفسيقًا لهم، كان تجهيلًا لهم وتخطئةً وتضليلًا، ونسبةً لهم إلى الذنوبِ والمعاصي، وإنْ لم يكنْ فسقًا فزعمًا: أنَّ أهلَ القرونِ المفضولة في الشَّريعةِ أعلمُ وأفضلُ منْ أهلِ القرونِ الفاضلةِ.
ومِنَ المعلومِ بالضَّرورةِ لمنْ تدبَّرَ الكتابَ والسنَّةَ، وما اتَّفقَ عليهِ أهلُ السنَّةِ والجماعةِ منْ جميعِ الطوائفِ: أنَّ خيرَ قرونِ هذهِ الأمَّةِ - في الأعمالِ والأقوالِ، والاعتقادِ وغيرهَا منْ كلِّ فضيلةٍ أنَّ خيرَها -: القرنُ الأوَّلُ، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ الذين يلونهم، كما ثبتَ ذلكَ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم منْ غيرِ وجهٍ، وأنَّهم أفضلُ مِنَ الخلفِ في كلِّ فضيلةٍ: منْ علمٍ وعملٍ وإيمانٍ وعقلٍ ودينٍ وبيانٍ وعبادةٍ، وأنَّهم أولى بالبيانِ لكلِّ مُشْكِلٍ. هذا لا يدفعهُ إلَّا منْ كابرَ المعلومَ بالضَّرورةِ منْ دينِ الاسلامِ، وأضلَّهُ الله على علمٍ.