٦٦ - ابنُ بطَّة (٣٨٧هـ)
قَالَ الإمامُ الزاهدُ أبو عبد الله بن بطّة العكبري شيخُ الحنابلةِ فِي «الإبانة»:
«بابُ الإيمانُ بأنَّ الله عزَّ وجلَّ على عَرْشِهِ بائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وعِلْمُهُ مُحِيطٌ بجميعِ خَلْقِهِ. أجمعَ المسلمونَ مِنَ الصَّحابةِ والتَّابعينَ، وجميعُ أهلِ العلمِ مِنَ المؤمنينَ أنَّ الله تباركَ وتعالى على عَرْشِهِ، فَوْقَ سَمَاواتِهِ، بائِنٌ منْ خَلْقَهِ، وعِلْمُهُ مُحِيطٌ بجميعِ خَلْقِهِ، لا يأبى ذلكَ، ولا يُنْكِرُهُ إلَّا مَنِ انْتَحَلَ مذاهبَ الحُلوليَّةِ: وهمْ قومٌ زاغتْ قلوبهم، واسْتَهْوَتْهُمُ الشَّياطينُ فمَرَقُوا مِنَ الدِّينِ.
وقالوا: إنَّ الله ذاته لا يخلو منهُ مكانٌ.
فقالوا: إنَّهُ في الأرضِ كمَا هو في السَّماءِ، وهو بذاتهِ حَالٌّ في جميعِ الأشياءِ.
وقدْ أكذبهمُ القرآنُ والسُّنَّةُ وأقاويلُ الصَّحابةِ والتَّابعينَ مِنْ علماءِ المسلمينَ.
فقيلَ للحلوليِّةِ: لِمَ أنكرتمْ أنْ يكونَ اللهُ تعالى على العرشِ؟
وقال اللهُ تَعَالَى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: ٥]. وقال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَانُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: ٥٩].
فهذا خبرُ الله أَخْبَرَ بهِ عنْ نَفْسِهِ، وأنَّهُ على العَرْشِ.
وقال: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ} [الأنعام: ٣]، ثمَّ قالَ: {وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ} [الأنعام: ٣]، فأخبرَ أنَّهُ في السَّماءِ، وأنَّهُ بِعِلْمِهِ في الأرضِ.
وقَالَ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: ١٠]، فهلْ يكونُ الصُّعودُ إلَّا إلى ما علا؟.
وقَالَ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *} [الأعلى: ١] فَأَخْبَرَ أنَّهُ أعلى مِنْ خلقِهِ.
وقَالَ: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: ٥٠]، فأخبرَ أنَّهُ فوقَ الملائكةِ.
وقدْ أخبرنَا اللهُ تعالى أنَّهُ في السَّمَاءِ على العرشِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute