قالَ الرازيُّ:«إنْ كانَ المقصودُ من النزولِ مِنَ العرشِ إلى السَّماءِ الدُّنيا أنْ يسمعَ نداؤهُ، فهذا المقصودُ ما حصلَ، وإنْ كانَ المقصودُ مجرَّدَ النِّداءِ، سواءٌ سمعناهُ أو لمْ نسمعهُ، فهذا ممَّا لا حاجةَ فيهِ إلى النزولِ مِنَ العرشِ إلى السَّماءِ الدُّنيا، بلْ كانَ يمكنهُ أنْ ينادينا وهو على العرشِ، ومثالهُ: أنْ يريدَ مَنْ في المشرقِ إسماعَ منْ في المغربِ ومناداتهِ، فيتقدَّمُ إلى جهةِ المغربِ بأقدامٍ معدودةٍ، ثمَّ يناديهِ، وهو يعلمُ أنَّهُ لا يسمعهُ البتةَ، فههنا تكونُ تلكَ الخطواتُ عملًا باطلًا، وعبثًا فاسدًا، فيكونُ كفعلِ المجانينَ، فعلمنَا أنَّ ذلكَ غيرُ لائقٍ بحكمةِ الله تعالى»(١).
إنَّ هذا الكلامَ تلبيسٌ على العوامِ، وتمويهٌ على الجهَّالِ، وكذبٌ ظاهرٌ.
والردُّ عليهِ منْ وجوهٍ.
الوجهُ الأوَّلُ:
هذا الكلامُ يعتبرُ مصادمةٌ صريحةٌ لقولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم واعتراضٌ واضحٌ عليهِ، فإنَّهُ هو الذي قالَ:«ينزلُ ربُّنا - تبارك وتعالى - إلى سماءِ الدُّنيا كلَّ ليلةٍ ويقولُ: مَنْ يدعُوني فأستجيبَ لهُ، منْ يسألني فأعطيهُ، منْ يستغفرُني فأغفرَ لهُ».