للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني عَشَرَ:

الإشارةُ إليه سبحانه وتعالى حسًّا إلى العلوِّ. وهي واقعةٌ على أعلى جزءٍ مِنَ الكون، وتقعُ على عظمةِ الإلهِ، على ما يليقُ بهِ.

فلقدْ أشارَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم - الذي هوَ أعلمُ باللهِ وبما يجبُ لهُ، ويمتنعُ عليهِ منْ جميعِ البشرِ - إلى الله سبحانه وتعالى لمَّا كانَ بالمجمعِ الأعظمِ الذي لم يجتمعْ لأحدٍ مثلهُ، في اليومِ الأعظمِ، في المكانِ الأعظمِ، قالَ لهم: «وأَنْتُم تُسْأَلُونَ عنِّي، فمَاذَا أَنْتُم قَائِلُونَ؟» قالوا: نشهدُ أنَّكَ قَدْ بلَّغتَ وأدَّيتَ ونصحتَ (١). فرفعَ أصبعهُ الكريمةَ إلى السَّماءِ، رافعًا لها إلى منْ هوَ فوقهَا وفوقَ كلِّ شيءٍ، قائلًا: «اللَّهمَّ اشْهَدْ» (٢). فكأنَّا نشاهدُ تلكَ الأصبعَ الكريمةَ وهي مرفوعةٌ إلى الله، وذلكَ اللِّسانَ الكريمَ وهو يقولُ لمنْ رفع أصبعهُ إليهِ: «اللَّهمَّ اشْهَدْ»، تحقيقًا لإثْباتِ صفةِ العلوِّ، وأنَّ الرَّبَّ الذي اسْتشهدهُ فوقَ العالمِ مستوٍ على عرشهِ، ونشهدُ أنَّهُ بلَّغَ البلاغَ المبينَ، وأدَّى رسالةَ ربِّهِ كما أمرَ، ونصحَ أمَّتهُ غايةَ النَّصيحةِ، فلا يُحْتَاجُ مَعَ بيانهِ وتبليغهِ وكشفهِ وإيضاحهِ إلى تَنَطُّعِ المُتَنَطِّعِينَ، وحَذْلَقَةِ المُتَحَذْلِقِينَ! والحمدُ لله ربِّ العالمينَ (٣).

قالَ ابنُ القيِّم رحمه الله:

واللهُ أكبرُ من أشارَ رسولُه ... حقًا إليه بأصبعٍ وبنانِ


(١) قال ابنُ القيِّم رحمه الله في «الصواعق» (ص٧٣٣ - ٧٣٤): «فلو لمْ يكنْ قدْ عرف المسْلمون وتيقّنوا ما أرْسل به، وحصل لهم منه العلمُ اليقين، لمْ يكنْ قدْ حصل منه البلاغُ المبين، ولما رفع اللهُ عنه اللومَ، ولما شهد له أعْقلُ الأمّة بأنّه قدْ بلّغ وبيّن. وغاية ما عند النُّفاة أنّه بلّغهمْ ألْفاظًا لا تفيدهم علمًا ولا يقينًا، وأحالهم في طلب العلم واليقين على عقولهم، ونظرهم وأبْحاثهم، لا على ما أوحي إليه، وهذا معلومُ البطْلان بالضرورة».
(٢) قطعة من حديث جابر المطول في حجة النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه مسلم (١٢١٨).
(٣) شرح الطحاوية (٢/ ٣٨٤ - ٣٨٥).

<<  <   >  >>