للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الذهبي رحمه الله: «فهذا النفس نفس هذا الإمامِ، وأينَ مثلُهُ في تبحُّرهِ وذكائهِ وبصرهِ بالمللِ فلقد امتلأ الوجودُ بقومٍ لا يدرونَ ما السلفَ، ولا يعرفونَ إلَّا السلبَ، ونفيَ الصفاتِ وردَّهَا، صمٌّ بكمٌّ عتمٌّ عجمٌّ، يدعونَ إلى العقلِ، ولا يكونونَ على النَّقلِ، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون» (١).

٧٢ - ابنُ موهب (٤٠٦هـ)

قَالَ العلَّامةُ أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ موهب المالكيُّ فِي شرحهِ لرسالةِ الإمامِ محمَّد بن أبي زيد:

«أمَّا قولهُ: (إِنَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ المَجِيدِ بِذَاتِهِ) فمعنى (فَوْقَ) و (على) عندَ جميعِ العربِ واحدٌ. وفي الكتابِ والسنَّةِ تصديقُ ذلكَ، وَهُوَ قوله تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: ٥٤]، وقال: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: ٥]، وقال: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: ٥٠].

وساقَ حديثَ الجاريةِ والمعراجِ إِلَى سدرةِ المنتهى، إِلَى أنْ قَالَ:

«وقدْ تأتي لفظةُ (فِي) فِي لغةِ العربِ بمعنى فوق، كقولهِ تَعَالَى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} [الملك: ١٥] و {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١] و {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: ١٦]. قَالَ أهلُ التَّأويلِ: يريدُ فوقهَا، وَهُوَ قولُ مالكٍ ممَّا فهمهُ عمَّنْ أدركَ مِنَ التَّابعينَ ممَّا فَهِمُوهُ عَنِ الصَّحابةِ، ممَّا فهموهُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّ اللهَ فِي السَّماءِ، يعني فَوْقَها وعَلَيْهَا، فلذلكَ قَالَ الشيخُ أبو محمَّد: (إنَّهُ فَوْقَ عَرْشِه) ثمَّ بيَّنَ أنَّ عُلُوَّهُ فَوْقَ عرشِهِ إنَّما هُوَ بذاتهِ لأنَّه تَعَالَى بائنٌ عنْ جميعِ خلقهِ بلا كيفٍ، وَهُوَ فِي كُلِّ مكانٍ بِعِلْمِهِ لاَ بِذَاتِهِ. إِذْ لاَ تحويهِ الأماكنُ، لأنَّهُ أعظمُ منهَا، قَدْ كَانَ وَلاَ مكانَ».


(١) مختصر العلو (ص٢٥٩).

<<  <   >  >>