للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا تأمَّلتَ تعمُّقهم في التَّأويلاتِ المخالفةِ لظاهرِ الكتابِ والسنَّةِ، وعدولَهم عنهما إلى زخرفِ القولِ والغرورِ لتقويةِ باطلهم، وتقريبهِ إلى القلوبِ الضعيفةِ لاحَ لكَ الحقُّ، وبانَ الصدقُ، فلا تلتفتْ إلى ما أسسوهُ، ولا تبالِ بما زخرفوهُ، والزمْ نصَّ الكتابِ، وظاهرَ الحديثِ الصحيحِ اللَّذينِ هما أصولُ الشرعياتِ، تقفُ على الهدى المستقيمِ (١).

وبعدَ هذا البيانِ نذكرُ شبهاتِ المتكلِّمينَ - التي عارضوا بها نصوصَ الوحي - ثمَّ نأتي عليهَا مِنَ القواعدِ بإذن الله سبحانه وتعالى.

الشُّبْهَةُ الأولى

يستلزمُ منْ إثباتِ الفوقيَّةِ لله تعالى أنْ يكونَ في مكانٍ وحيِّزٍ وجهةٍ (٢).

ينبغي أنْ يُعلمَ بأنَّ المشتغلينَ بعلمِ الكلام إذا قالوا: «إنَّ الله منزَّهٌ عَنِ الحيِّز والجهةِ والمكانِ» أوهموا النَّاسَ أنَّ مقصودهم بذلكَ أنَّهُ لا تحصرهُ المخلوقاتُ، ولا تحوزه المصنوعاتُ، وهذا المعنى صحيحٌ، ومقصودهم: أنَّهُ ليسَ مباينًا للخلقِ ولا منفصلًا عنهم، وأنَّهُ ليس فوق السَّمواتِ ربٌّ يعبدُ، ولا على العرشِ إلهٌ يصلَّى لهُ ويسجدُ، وأنَّ محمَّدًا لم يُعْرَجْ بهِ إليهِ، ولا ترفعُ إليهِ الأيدي في الدُّعاءِ، ونحو ذلك منْ كلامِ الجهميَّةِ الفرعونيَّة.

تَالله قَدْ ضَلَّتْ عُقُولُ القَوْمِ إذْ ... قَالُوا بِهَذَا القَوْلِ ذِي البُطْلاَنِ (٣)


(١) الحجة في بيان المحجة (٢/ ٢٩٥).
(٢) قال شيخ الاسلام في «منهاج السنة» (٢/ ٢٤٦ - ٢٤٨): «هؤلاء أخذوا لفظ «الجهة» بالاشتراك، وتوهموا وأوهموا أنه إذا كان في جهة كان في كل شيء غيره، كما يكون الإنسان في بيته وكما يكون الشمس والقمر والكواكب في السماء، ثم رتبوا على ذلك أنه يكون محتاجًا إلى غيره، والله تعالى غنيٌّ عن كل ما سواه، وهذه مقدِّماتٌ كلها باطلةٌ».
(٣) الكافية الشافية (ص٩٠).

<<  <   >  >>