للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني عَشَرَ:

أنَّ الاستيلاءَ يكونُ مَعَ مزايلةِ المستولي للمستولى عَلَيهِ ومفارقتهِ؛ كَمَا يقالُ: استولى عثمانُ بنُ عفَّانَ عَلَى خراسانَ، واستولى عبدُ الملكِ بنُ مروانَ عَلَى بلادِ المغربِ، واستولى الجوادُ عَلَى الأمدِ، قَالَ الشاعرُ:

ألا لمثلكَ أوْ مَنْ أنتَ سابقُهُ ... سَبْقَ الجَوادِ إذا استولى عَلَى الأمَدِ

فجعلهُ مستوليًا عَلَيهِ بعدَ مفارقتهِ لهُ وقطعِ مسافتهِ، والاستواءُ لا يكونُ إلَّا مَعَ مجاورةِ الشَّيءِ الَّذي يستوى عَلَيهِ؛ كَمَا في قولهِ تعالى: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود: ٤٤] {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف: ١٣]، وقولهِ: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون: ٢٨]، وهكذا فِي جميعِ مواردهِ فِي اللُّغةِ التي خوطبنا بها، وَلاَ يصحُّ أنْ يقالَ: استوى عَلَى الدَّابة والسطحِ إِذَا نزل عنها وفارقها؛ كَمَا يقالُ: استولى عليها، هَذَا عكسُ اللُّغةِ وقلبُ الحقائقِ، وهذا قطعيٌّ بحمدِ الله.

الثالثُ عَشَرَ:

أنَّ نقلَ معنى الاسْتِوَاءِ وحقيقتهِ كنقلِ لفظهِ، بل أبلغُ فإنَّ الأمَّةَ كلَّها تعلمُ بالضَّرورةِ أنَّ الرسولَ أخبرَ عنْ ربِّهِ بأنَّهُ استوى عَلَى عرشِهِ، منْ يحفظُ القرآنَ منهم ومنْ لا يحفظهُ، وهذا المعنى عندهم كَمَا قَالَ مالكٌ وأئمَّةُ السنَّةِ: الاسْتِوَاءُ غيرُ مجهولٍ، كَمَا أنَّ معنى السَّمعِ والبصرِ والقدرةِ والحياةِ والإرادةِ وسائرِ مَا أخبرَ بهِ عنْ نفسهِ معلومٌ، وإنْ كانتْ كيفيَّتهُ غيرَ معلومةٍ للبشرِ؛ فإنَّهم لم يُخَاطَبُوا بالكيفيَّةِ، ولم يردْ منهم العلمُ بها، فإخراجُ الاسْتِوَاءِ عنْ حقيقتهِ المعلومةِ؛ كإنكارِ ورودِ لفظهِ؛ بل أبلغُ، وهذا ممَّا يعلمُ أنَّهُ مناقضٌ لما أخبرَ الله بهِ ورسولُهُ.

<<  <   >  >>