للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونحنُ نقولُ: لا مخافةَ على العَامَّةِ منْ فهمِ الاستواءِ فهمًا فاسدًا. فإنَّ كتابَ الله وسنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم قدْ تلقتهما الأمَّةُ بالقبولِ والتَّسليمِ ولم يُتَطَرَّقْ إلى أذهانِ أحدٍ منهم هذا المفهومُ الخاطئُ، وإنَّما يُخَافُ على العَّامةِ منْ تأويلاتِ أهلِ الكلامِ ودعاويهم الباطلةِ. الذين يرددون في مجالسهم: «كانَ اللهُ ولا مكان وهو الانَ على ما عليهِ كان» و «إنَّ الله خلقَ العرشَ إظْهارًا لقدْرتهِ ولمْ يتخذه مكانًا لذاتهِ» وأمثال هذا الهذيان الذي هوَ منْ وحيِّ الشَّيطانِ.

السؤالُ الثامنُ

هل آياتُ الصِّفاتِ مِنَ المتشابَه؟

اعلمْ رحمكَ الله بأنَّ أهلَ الكلامِ جعلوا آياتِ الصفاتِ مِنَ المتشابَهِ التي لا يعلمُ معناها إلَّا الله سبحانه وتعالى.

وهذا افتراءٌ قبيحٌ، وبهتٌ صريحٌ، وكذبٌ شنيعٌ، وتقوُّلٌ فظيعٌ، وضلالٌ وإضْلالٌ. وهذا يتبيَّنُ منْ وجوهٍ:

الوجهُ الأولُ:

أنَّ الله سبحانه وتعالى قالَ في كتابهِ العزيزِ: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا *} [محمد: ٢٤]، وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ *} [ص: ٢٩]، وقال تبارك وتعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمْ الأَوَّلِينَ *} [المؤمنون: ٦٨]، وقال تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا *} [النساء: ٨٢].

فالله سبحانه وتعالى «قدْ أمرَ بتدبُّر القرآنِ مطلقًا، ولم يستثن منهُ شيئًا لا يتدبَّر، ولا قالَ: لا تدبَّروا المتشابه، والتدبُّر بدونِ الفهمِ ممتنعٌ، ولو كانَ مِنَ القرآنِ ما لا يُتَدبَّر لم يعرفْ، فإنَّ الله لم يميِّز المتشابه بحدٍ ظاهرٍ حتَّى يجتنبَ تدبُّرُه» (١).


(١) مجموع الفتاوى (١٧/ ٣٩٦).

<<  <   >  >>