وفيمَا كتبناهُ من الآياتِ دلالةٌ على إبطالِ قولِ مَنْ زعمَ مِنَ الجهميَّةِ بأنَّ الله سبحانه وتعالى بذاتهِ في كلِّ مكانٍ. وقوله عزَّ وجلَّ:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}[الحديد: ٤]، إنَّما أرادَ بهِ: بعلمهِ لا بذاتهِ (١).
٨٧ - ابنُ عبد البر (٤٦٣هـ)
قالَ ابنُ عبد البر رحمه الله تعليقًا عَلَى حديثِ النزولِ: «هذا الحديثُ ثابتٌ منْ جهةِ النقلِ، صحيحُ الإسنادِ، لا يختلفُ أهلُ الحديثِ في صحَّتهِ. وهوَ حديثٌ منقولٌ منْ طرقٍ متواترةٍ، ووجوهٍ كثيرةٍ منْ أخبارِ العدولِ، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وفيه دليلٌ على أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ في السَّماءِ على العَرْشِ، مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، كما قالتِ الجماعةُ، وهوَ منْ حجَّتهم على المعتزلةِ، والجهميَّةِ، في قولهم: إنَّ الله عزَّ وجلَّ في كلِّ مكانٍ، وليسَ على العرشِ. ثمَّ ذكرَ الآياتِ الدَّالَّةَ عَلَى علوِّ الرَّحْمنِ إِلَى أنْ قَالَ:
وأمَّا ادِّعاؤهم المجاز في الاسْتِوَاءِ، وقولهم في تأويلِ استوى: استولى، فلا معنى لهُ، لأنَّهُ غيرُ ظاهرٍ في اللُّغةِ، ومعنى الاستيلاءِ، في اللغةِ: المغالبةُ، والله لا يغالبهُ ولا يعلوهُ أحدٌ. وهوَ الواحدُ الصَّمدُ. ومنْ حقِّ الكلامِ أنْ يحملَ على حقيقتهِ، حتَّى تتفقَ الأمَّةُ أنَّهُ أريدَ بهِ المجاز. إذْ لا سبيلَ إلى اتِّباعِ ما أنزلَ إلينا مِنْ ربِّنا، إلَّا على ذلكَ، وإنَّما يوجَّهُ كلامُ الله عزَّ وجلَّ إلى الأشهرِ والأظهرِ منْ وجوههِ، ما لمْ يمنعْ منْ ذلكَ ما يجبُ لهُ التسليمُ، ولو ساغَ ادِّعاءُ المجازِ لكلِّ مدَّعٍ، ما ثبتَ شيءٌ مِنَ العباراتِ، وجلَّ الله عزَّ وجلَّ عنْ أنْ يخاطبَ الأمَّةَ إلَّا بما تفهمهُ العربُ في معهودِ مخاطباتها، ممَّا يصحُّ معناهُ عندَ السَّامعينَ.
(١) الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد (ص١١٦ - ١١٨)، تحقيق: أحمد بن إبراهيم أبو العينين.