للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليسَ فِي قولنا: إنَّ الله سُبْحَانهُ فَوقَ العرشِ تحديدٌ؛ وإنَّما التَّحديدُ يقعُ للمحدثاتِ. فَمِنَ العرشِ إِلَى مَا تحتَ الثَّرى محدودٌ، واللهُ سُبْحَانهُ فوقَ ذَلِكَ بحيثُ لاَ مكانَ وَلاَ حدَّ ...

وقدْ ذكرَ الله سُبْحَانهُ فِي القرآنِ مَا يَشفي العَلِيلَ وَهُوَ قولُهُ تَعَالَى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى *} [طه: ٥، ٦] فخَصَّ العرشَ بالاستواءِ، وذَكَرَ مُلْكَهُ لسائرِ الأشياءِ فعُلِمَ أنَّ المرادَ بِهِ غيرُ الاستيلاءِ (١).

[٨٥ - القاضي أبو يعلى (٤٥٨هـ)]

قال في كتابِ «المعتمدِ في أصولِ الدِّينِ» عَنِ الاستواءِ: «وقدْ وصفَ نفسَهُ سبحانهُ بالاستواءِ على العرشِ فقال: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: ٥]، وقال سبحانهُ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: ٥٤].

والواجبُ إطلاقُ هذه الصِّفةِ منْ غيرِ تأويلٍ وأنَّهُ استواءُ الذَّاتِ على العرشِ لا على معنى القعودِ والمماسةِ، ولا على معنى العلوِّ والرفعةِ، ولا على معنى الاستيلاءِ والغلبةِ، خلافًا للمعتزلةِ في قولهم: معناهُ الاستيلاءُ والغلبةُ، وخلافًا للأشعريةِ في قولهم: معناه العلوُّ منْ طريقِ الرتبةِ والمنزلةِ والعظمةِ والقدرةِ، وخلافًا للكرَّاميَّةِ والمجسِّمةِ أنَّ معناهُ المماسَّةُ للعرشِ بالجلوسِ عليهِ. ثمَّ قالَ بعدَ الردِّ على المخالفينَ: فلمْ يبقَ إلَّا أنْ نحملَ هذهِ الصِّفةِ على إطلاقها» (٢).


(١) الرد على من أنكر الحرف والصوت (ص١٢٩ - ١٣١).
(٢) المعتمد في أصول الدين (ص٥٤ - ٥٥).

<<  <   >  >>