للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقالَ رحمه الله في كتابِ «إبطالِ التَّأويلاتِ» لهُ: «لا يجوزُ ردُّ هذهِ الأخبارِ على ما ذهبَ إليه جماعةٌ مِنَ المعتزلةِ، ولا التَّشاغلُ بتأويلها على ما ذهبَ إليه الأَشْعَرِيَّةُ. والواجبُ حملُها على ظاهرهَا، وأنَّها صفاتٌ لله تعالى لا تشبهُ سائرَ الموصوفينَ بها من الخلقِ، ولا نعتقدُ التَّشبيهَ فيها» (١).

قالَ: «دليلٌ آخرُ على إبطالِ التَّأويلِ: أنَّ الصَّحابةَ ومنْ بعدهمْ مِنَ التابعينَ حملوهَا على ظاهرهَا ولمْ يتعرَّضُوا لتأويلِهَا، ولا صَرْفِهَا عنْ ظاهِرِهَا، فلو كانَ التأويلُ سائغًا لكانوا أسبقَ لما فيهِ من إزالةِ التَّشبيهِ، ورفعِ الشُّبهةِ» (٢).

قال الذهبيُّ معقّبًا: «قلتُ: المتأخرونَ منْ أهلِ النَّظرِ قالوا مقالةً مولَّدةً، ما علمتُ أحدًا سبقهم بها.

قالوا: هذه الصفاتُ تمرُّ كما جاءتْ ولا تؤولُ، مع اعتقادِ أنَّ ظاهرهَا غيرُ مرادٍ، فتفرَّعَ منْ هذا أنَّ الظاهرَ يُعْنَى بهِ أمرانِ:

أحدُهما: أنَّهُ لا تأويلَ لها غيرُ دلالةِ الخطابِ كما قالَ السَّلفُ: الاستواءُ معلومٌ، وكما قالَ سفيانُ وغيرُهُ: قراءتُهَا تفْسيرُهَا، يعني أنَّها بيِّنةٌ واضحةٌ في اللغةِ لا يُبْتَغَى لها مضايقُ التأويلِ والتَّحريفِ، وهذا هوَ مذهبُ السَّلفِ مع اتفاقهم أيضًا أنَّها لا تُشْبِهُ صفاتِ البشرِ بوجهٍ، إذِ الباري لا مثلَ لهُ لا في ذاتهِ ولا في صفاتهِ.


(١) إبطال التأويلات (ص٤٣).
(٢) إبطال التأويلات (ص٧١).

<<  <   >  >>