للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقدْ قالَ قائلونَ من المعتزلةِ والجهميَّةِ والحروريةِ: إنَّ قولَ الله عزَّ وجلَّ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: ٥]، إنَّه استولى وملكَ وقهرَ، وإنَّهُ عزَّ وجلَّ في كلِّ مكانٍ، وجحدوا أنْ يكونَ الله عزَّ وجلَّ على عرشهِ كمَا قالَ أهلُ الحقِّ، وذهبوا في «الاستواءِ» إلى القدرةِ، ولو كانَ هذا كما ذكروهُ كانَ لا فرقَ بينَ العرشِ والأرضِ، فالله سبحانهُ قادرٌ عليها وعلى الحشوشِ وعلى كلِّ ما في العالمِ. فلو كانَ الله مستويًا على العرشِ بمعنى الاستيلاءِ - وهو سبحانهُ مُسْتَوْلٍ على الأشياءِ كلِّها - لكانَ مستويًا على العرشِ وعلى الأرضِ وعلى السَّمَاءِ وعلى الحشوشِ والأقذارِ، لأنَّه قادرٌ على الأشياءِ مُسْتَوْلٍ عليهَا، وإذا كانَ قادرًا على الأشياءِ كلِّها - ولم يَجِزْ عندَ أحدٍ منَ المسلمينَ أنْ يقولَ: إنَّ الله عزَّ وجلَّ مستوٍ على الحشوشِ والأخليةِ - لم يَجِزْ أنْ يكونَ الاستواءُ على العرشِ الاستيلاءَ الذي هو عامٌّ في الأشياءِ كلِّها، ووجبَ أنْ يكونَ معناهُ استواءً يختصُّ العرشَ دونَ الأشياءِ كلِّها» (١).

قَالَ الذهبيُّ رحمه الله: «لو انتهى أصحابُنا المتكلِّمونَ إِلَى مقالةِ أبي الحسنِ هذهِ ولَزِمُوهَا لأحسنوا، ولكنَّهم خاضُوا كخوضِ حكماءِ الأوائلِ فِي الأشياءِ، ومَشَوْا خلفَ المنطقِ، فلا قُوَّةَ إلَّا بالله» (٢).

٥٨ - البَرْبَهَارِيُّ (٣٢٩هـ)

قالَ رحمه الله: «اعلمْ رحمكَ الله: أنَّ الكلامَ في الرَّبِّ تعالى مُحْدَثٌ، وهو بدعةٌ وضلالةٌ، ولا يُتكلَّمُ في الرَّبِّ إلا بما وصفَ بهِ نفسَهُ عزَّ وجلَّ في القرآنِ، وما بيَّنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأصحابهِ، فهوَ جلَّ ثناؤهُ واحدٌ: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١].


(١) الإبانة (ص٦٩ - ٧١).
(٢) العلوّ (ص١٢٥٤ - ١٢٥٥).

<<  <   >  >>