للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو عمر: «وقولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» عندهم مثلُ قول الله عزَّ وجلَّ: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} [الأعراف: ١٤٣]، ومثلُ قولِهِ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا *} [الفجر: ٢٢]، كلُّهم يقولُ: ينزلُ ويتجلَّى ويجيءُ بلا كيفٍ، لا يقولونَ كيفَ يجيءُ؟ وكيفَ يتجلَّى؟ وكيفَ ينزلُ؟ ولا منْ أينَ جاءَ؟ ولا منْ أينَ يتجلَّى؟ ولا منْ أينَ ينزلُ؟ لأنَّهُ ليسَ كشيءٍ منْ خلقهِ، وتعالى عَنِ الأشياءِ، ولا شريكَ لهُ.

وفي قولِ الله عزَّ وجلَّ: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} [الأعراف: ١٤٣] دلالةٌ واضحةٌ أنَّهُ لمْ يكنْ قبلَ ذلكَ متجلِّيًا للجبلِ، وفي ذلكَ ما يفسِّرُ معنى حديثِ التنزيلِ» (١).

وقال رحمه الله تعليقًا على قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَبْدَ قَالَ لِجِبْرِيلَ: يا جبريلُ: قَدْ أَحْبَبْتُ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي في أَهْلِ السَّمَاء: إِنَّ اللهَ قَدْ أَحَّبَ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ في الأَرْضِ» (٢).

«في هذا الحديثِ مِنَ العلمِ والفقهِ:

أنَّ الله عزَّ وجلَّ في السَّماءِ ليسَ في الأَرْضِ، وأنَّ جبريلَ أقربُ الملائكةِ إليهِ وأَحْظَاهُم عندهُ ....

وفيهِ أنَّ الوُدَّ والمحبَّةَ بينَ النَّاسِ اللهُ يَبتدِئُهَا ويَبْسُطُهَا، والقرآنُ يشهدُ بذلكَ. قال الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدًّا *} [مريم: ٩٦]. قال المفسِّرونَ: يحبهم ويحببهم إلى النَّاس» (٣).


(١) التمهيد (٧/ ١٥٣).
(٢) رواه البخاري (٣٢٠٩ و ٦٠٤٠ و٧٤٨٥)، ومسلم (٢٦٣٧).
(٣) التمهيد (٢١/ ٢٣٨ - ٢٣٩).

<<  <   >  >>