(الرابعُ): أنْ يقالَ: السَّلفُ كلُّهم أنكروا عَلَى الجهميَّةِ النُّفاةِ، وقالوا بالإثباتِ وأفصحوا بِهِ، وكلامهم فِي الإثباتِ والإنكارِ عَلَى الواقفةِ والنُّفاةِ أكثرُ منْ أنْ يمكنُ إثباتُهُ في هذا المكانِ ... كلُّهم مطبقونَ على الذمِّ والرَّدِّ على منْ نفى أنْ يكونَ اللهُ فوقَ العرشِ، كلُّهم متَّفقونَ على وصفهِ بذلكَ، وعلى ذمِّ الجهميَّةِ الذينْ ينكرونَ ذلكَ؛ وليسَ بينهم في ذلكَ خلافٌ، ولا يقدرُ أحدٌ أن ينقلَ عنْ أحدٍ منْ سلفِ الأمَّةِ وأئمَّتِها في القرونِ الثلاثةِ حرفًا واحدًا يخالفُ ذلكَ؛ لم يقولوا شيئًا منْ عباراتِ النُّفاةِ، إنَّ الله ليسَ في السَّماءِ، والله ليسَ فوقَ العرشِ، ولا أنَّهُ لا داخلَ العالمِ ولا خارجَهُ، ولا أنَّ جميعَ الأمكنةِ بالنسبةِ إليه سواء، أو أنَّهُ لا تجوزُ الإشارةُ الحسيَّةُ إليهِ، ونحو ذلكَ مِنَ العباراتِ التي تطلقُهَا النُّفاةُ: لا نصًّا ولا ظاهرًا؛ بلْ همْ مطبقونَ متَّفِقُونَ على أنَّهُ نفسهُ فوقَ العرشِ، وعلى ذمِّ منْ ينكرُ ذلكَ.
فقدْ تبيَّنَ بهذا الكلامِ أنَّ «الحقَّ الحقيقَ بالقبولِ، هو إثباتُ علوِّ الله على العرشِ، الخالصُ منْ شوبِ التَّشبيهِ، المصفَّى منْ قذراتِ التعطيلِ.
والمسيرُ إلى توحيدِ الله تعالى، ومعرفةِ صفاته العليا وأسمائه الحسنى بالصُّعودِ على سلالمِ أهلِ الكلام نقيصةٌ واضحةٌ في الدِّينِ، وثلمةٌ بارزةٌ في حصنِ اليقينِ، بلْ ردٌّ للتَّوحيدِ الذي دعا إليهِ الرسولُ صلى الله عليه وسلم، وندبَ إليهِ سبحانه وتعالى كلَّ جيلٍ مِنَ النَّاس.
فمَنْ زَعَمَ أنَّ الحقَّ في كلامِ عُلَمَاءِ الكَلامِ، والتَّوحيدُ هو الذي جاءَ بهِ هؤلاءِ، والقرآنُ لا يكفي في ذَلِكَ، والحديثُ لا يغني عمَّا هُنَالِكَ، فقد خَرَجَ عن دائرةِ الإسلامِ، وعليه دائرةُ السَّوْءِ من اللهِ العزيزِ العَلَّامِ» (١).