للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقدْ علمَ أنَّ الله تعالى كانَ قبلَ أنْ يخلقَ السَّمواتِ والأرضَ ثمَّ خلقهما؛ فإمَّا إنْ يكونَ دخلَ فيهما وهذا حلولٌ باطلٌ، وإمَّا أنْ يكونَا دخلا فيهِ وهوَ أبطلُ وأبطلُ، وإمَّا أنْ يكونَ الله سبحانهُ بائنًا عنهما لم يدخلْ فيهما ولمْ يدخلا فيهِ، وهذا قولُ أهلِ الحقِّ والتَّوحيدِ والسنَّةِ.

ولأهلِ الجحودِ والتَّعطيلِ في هذا البابِ شبهاتٍ (١)، يعارضونَ بها كتابَ الله عزَّ وجلَّ وسنَّةَ رسولهِ صلى الله عليه وسلم، وما أجمعَ عليهِ سلفُ الأمَّةِ وأئمَّتهَا، ومَا فطرَ الله تعالى عليهِ عبادهُ، وما دلَّتْ عليهِ الدلائلُ العقليةُ الصحيحةُ؛ فإنَّ هذهِ الأدلَّةَ كلَّها متَّفقةٌ على أنَّ الله تعالى فوقَ مخلوقاتهِ، عالٍ عليهَا، قدْ فطرَ اللهُ تعالى على ذلكَ العجائزَ والأعرابَ والصبيانَ في الكتَّابِ؛ كما فطرهمْ على الإقرارِ بالخالقِ تعالى.

وقدْ قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في الحديثِ الصَّحيحِ: «كلُّ مولودٍ يولدُ على الفطرة فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه كما تُنْتِجُ البهيمةُ بهيمةً جمعاءَ هل تُحِسُّونَ فيها منْ جدعاءَ» ثمَّ قالَ أبو هريرة رضي الله عنه: اقرؤوا إنْ شئتم: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: ٣٠] (٢).

وهذا معنى قولِ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ رحمه الله: «عليكَ بدينِ الأعرابِ والصبيانِ في الكتَّابِ، وعليكَ بما فَطَرَهُمُ اللهُ تعالى عليه»؛ فإنَّ الله سبحانهُ فطرَ عبادهُ على الحقِّ، والرسلُ بعثوا بتكميلِ الفطرةِ وتقريرهَا، لا بتحويلِ الفطرةِ وتغييرهَا.


(١) قال ابن القيم رحمه الله: «وكيفَ تكونُ الآراءُ والخيالاتُ وسوانحُ الأفكارِ دينًا يُدانُ بهِ ويُحْكَمُ بهِ على اللهِ ورسولهِ؟! سبحانكَ هذا بهتانٌ عظيمٌ!».
(٢) رواه البخاري (١٣٥٨ و١٣٥٩ و١٣٨٥ و٤٧٧٥ و٦٥٩٩)، ومسلم (٢٦٥٨) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <   >  >>