للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأحالهمْ في معْرفةِ أسْمائهِ وصفاتهِ على عقولهمْ وآرائهمْ، لا على كتابهِ، بلْ أرادَ منهمْ أنْ لا يحْملوا كلامهُ على ما يعْرِفونَ منْ خطابهمْ ولغتهم، معَ قدْرتهِ على أنْ يصرِّحَ لهمْ بالحقِّ الذي ينبغي التَّصْريحُ بهِ، ويريحهمْ مِنَ الألفاظِ التي توقعهمْ في اعْتقادِ الباطلِ، فلمْ يفعلْ، بلْ سلكَ بهمْ خلافَ طريقِ الهدى والبيانِ، فقدْ ظنَّ به ظنَّ السَّوءِ، فإنَّه إنْ قالَ: إنَّهُ غيرُ قادرٍ على التعْبيرِ عَنِ الحقِّ باللفظِ الصَّريحِ الذي عبَّر بهِ هوَ وسلفُهُ، فقدْ ظنَّ بقدْرتهِ العجزَ، وإنْ قالَ: إنَّهُ قادرٌ ولمْ يبيِّنْ، وعدَلَ عنِ البيانِ، وعَنِ التَّصْريحِ بالحقِّ إلى ما يوْهمُ، بلْ يُوقِعُ في الباطلِ المحالِ، والاعْتقادِ الفاسدِ، فقدْ ظنَّ بحكمتهِ ورحمتهِ ظنَّ السَّوء، وظنَّ أنَّهُ هوَ وسلفهُ عبَّروا عَنِ الحقِّ بصريحهِ دونَ اللهِ ورسولهِ، وأنَّ الهدى والحقَّ في كلامهم وعباراتهم. وأمَّا كلامُ الله، فإنَّما يؤخذُ منْ ظاهرهِ التَّشبيهُ، والتَّمثيلُ، والضَّلالُ، وظاهرُ كلامِ المتهوِّكين (١) الحيارى، هوَ الهدى والحقُّ، وهذا منْ أسوإ الظنِّ بالله، فكلُّ هؤلاءِ مِنَ الظَّانينَ بالله ظنَّ السَّوء، ومِنَ الظَّانينَ بهِ غيرَ الحقِّ ظنَّ الجاهليةِ (٢).

الوجهُ الخامسُ:

أنَّ الذينَ يقولونَ: إنَّ الأخذَ بظاهرِ الكتابِ والسنَّةِ منْ أصولِ الكفرِ لا يعلمونَ ما هيَ الظواهرُ وأنَّهم يعتقدونَ شيئًا ظاهر النص. والواقع أنَّ النَّص لا يدلُّ عليهِ بحالٍ مِنَ الأحوالِ فضلًا عنْ أنْ يكونَ ظاهره. فبنوا باطلًا على باطلٍ، ولا شكَّ أنَّ الباطلَ لا يُبنى عليه إلَّا الباطل. ولو تصوَّروا معاني ظواهرِ الكتابِ والسنَّةِ على حقيقتها لمنعهم ذلكَ، منْ أن يقولوا ما قالوا.


(١) التَّهَوُّك: كالتَّهَوُّر، وهو الوقوع في الأمر بغير رَوِيَّة.
(٢) زاد المعاد (٣/ ٢٣١).

<<  <   >  >>