فقدْ بيَّن سبحانه وتعالى أنَّه لو جعلهُ أعجميًا لأنكروهُ، فجعلهُ عربيًا ليفهمَ معناهُ، وليندفعَ مثلُ هذا القولِ، ومعلومٌ أنَّه لو كان أعجميًا لأمكنهم التَّوصلُ إلى فهمهِ بأنْ يترجمَ لهم مترجمٌ، إمَّا أنْ يسمعَهُ مِنَ الرسولِ ويترجمهُ، أو يحفظهُ لهم أعجميًا ثمَّ يترجمهُ لهم، كما أنَّ مِنَ العجمِ منْ يحفظُ القرآنَ عربيًا ولا يفهمُ، ويُتَرْجَمُ لهُ، وأمَّا إذا كان عربيًا لا يمكنُ أحدًا أنْ يفهمهُ لا الرسولُ ولا المرسلُ إليهم فإنكارُ هذا أعظمُ منْ إنكارِ كونهِ أعجميًا، وإذا كان الله تعالى قدْ بيَّن أنَّه لا يفعلُ الأوَّلَ فهوَ ألَّا يفعل هذا أولى وأحرى.
وما لا يمكن فهمهُ فإنَّهُ لم يُحْكَمْ، ولم يُفَصَّلْ، ولم يبَيَّنْ.
الثاني عَشَرَ:
أنَّ الله مدحَ القرآنَ وبيَّنَ اشتماله على علمهِ، كمَا قالَ سبحانه وتعالى:{لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ}[النساء: ١٦٦].
وإذا كانَ كذلكَ دلَّ على أنَّ ما فيهِ منَ العلمِ لمْ يستأثرِ الله تعالى بهِ بلْ أنزلهُ إلى عبادهِ وعلَّمهم إيَّاه، وهوَ منْ علمهِ الذي قالَ فيهِ:{وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}[البقرة: ٢٥٥]، وهذا لا يكونُ إلَّا إذا أمكنَ فهمُ معناه، وإلَّا فاللَّفظُ الذي لا يمكنُ فهمُ معناه لا علمَ فيهِ لأحدٍ، ومثلُ هذا قولُهُ تعالى:{فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ}[هود: ١٤].