(٢) لِيَتَأَمَّلِ القارئُ اللبيبُ موقفًا جمعَ بين الإمامِ أحمدَ بنِ نَصْرٍ الخزاعيِّ (المتوفى سنة ٢٣١هـ)، وبين الواثق الخليفة الجهمي وقاضيه أحمد بن أبي دؤاد. ذكر الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (١٠/ ٣١٧ - ٣١٨): «أنَّ أحمد بن نصر حُمل مقيَّدًا إلى الواثق وفي مجلسه أحمد بن أبي دؤاد وأتباعه. فقال له الواثقُ: ما تقولُ في القرآن؟ فقال: هو كلامُ الله. قال: أمخلوقٌ هو؟ قال: هو كلامُ الله. فقال له: فما تقولُ في ربك؟ أتراهُ يومَ القيامةِ؟
فقال: يا أميرَ المؤمنين قد جاءَ القرآنُ والأخبارُ بذلك، قال الله تعالى: {وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *} {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ *} [القيامة: ٢٢ - ٢٣]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم ترونَ ربَّكم كما ترونَ هذا القمرَ لا تُضامون في رؤيته»، فنحن على الخبر. قال الواثق: ويَحَك! أيُرى كما يُرى المحدودُ المتجسِّمُ ويحويه مكانٌ ويحصره الناظرُ؟ أنا أكفرُ برَبٍّ هذه صِفَتُهُ. ثم قامَ إليه فلما انتهى عليه ضرَبهُ بالسَّيفِ على عاتِقِهِ وهو مربوطٌ بحبلٍ قد أُوقِفَ على نِطْعٍ، ثم ضرَبَهُ أخرى على رأسِهِ، ثم طَعَنَهُ في بَطْنِهِ فَسَقَطَ صريعًا رحمه الله، فإنّا لله وإنا إليه راجعون. رحمه الله وعفا عنه. قال ابنُ كثير معقبًا على قياس الواثق: وما قاله الواثقُ لا يجوزُ ولا يلزمُ ولا يُرَدُّ به هذا الخبرُ الصحيحُ، والله أعلم».