للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففي هذهِ الآيةِ بيانٌ بيِّنٌ، ودلالةٌ ظاهرةٌ، على أنَّ موسى قدْ كانَ أعلمَ فرعونَ أنَّ ربَّهُ - جلَّ وعلا - أعلى وفوق، فمنْ أجلِ ذلكَ أمرَ ببناءِ الصَّرحِ، ورامَ الاطِّلاعَ إليه، واتَّهمَ موسى بالكذبِ في ذلكَ. والجهميَّةُ لا تعلمُ أنَّ الله فوقَها بوجودِ ذاتهِ فهمْ أعْجزُ فهمًا منْ فرعونَ (١).

قالَ ابنُ القيِّم رحمه الله: «فكذَّبَ فرعونُ موسى في إخْباره إيَّاهُ بأنَّ ربَّهُ فوقَ السَّماءِ. وعندَ الجهميَّةِ: لا فرقَ بينَ الإخْبارِ بذلكَ، وبينَ الإخبارِ بأنَّهُ يأكلُ ويشْربُ، وعلى زعمهمْ يكونُ فرعونُ قدْ نزَّهَ الرَّبَّ عمَّا لا يليقُ بهِ، وكَذَبَ موسى في إخْبارهِ بذلكَ إذْ مَنْ قالَ عندهم: إنَّ ربَّهُ فوقَ السَّمواتِ فهوَ كاذبٌ. فهمْ في هذا التَّكذيبِ موافقونَ لفرعونَ، مخالفونَ لموسى ولجميعِ الأنبياءِ، ولذلكَ سمَّاهم أئمَّةُ السنَّة فرْعونيَّة، قالوا: وهمْ شرٌّ مِنَ الجهميَّةِ؛ فإنَّ الجهميَّةَ يقولونَ: إنَّ الله في كلِّ مكانٍ بذاتهِ، وهؤلاءِ عطَّلوهُ بالكليِّةِ، وأوقعوا عليهِ الوصفَ المطابقَ للعدمِ المحضِ. فأيُّ طائفةٍ منْ طوائفِ بني آدمَ أثبتتِ الصانعَ على أيِّ وجهٍ كانَ قولُهم خيرًا منْ قولِهم» (٢).


(١) انظر: تفسير الآية في «جامع البيان» (م١٢/ج٢٤/ص٨٢ - ٨٣)، والرد على الجهمية (ص٢١) للدارمي، والتمهيد (٧/ ١٣٣)، والإبانة (ص١٠٦)، والحجة في بيان المحجة (٢/ ١١٥)، والتوحيد (ص١١٤ - ١١٥) لابن خزيمة.
(٢) إعلام الموقعين (٢/ ٣١٧).

<<  <   >  >>