سنوات، في كتابي (وجهة العالم الإسلامي) - يتخذ بالنسبة إلى المادة موقفاً غريباً:
فالواقع أن المادة قد واكبت تياراً. فكرياً مزدوجاً، ففي العالم الراضخ للتصيم، وللمنهج التيلوري، توجد نزعة مادية رأسمالية أو (بورجوازية) نوعياً، ونزعة مادية ماركسية أو (بروليتارية) نوعياً كذلك. فالنزعة الأولى تلتقي في الغرب، مع رفاهية طبقة مالكة لمصالحها وأذواقها وأشيائها. والنزعة الثانية، تمثل مذهب نضال طبقة كادحة، وتلتقي مع أصول هذا النضال، وتصوراته وأفكاره. وإذا بالعالم الإسلامي، الذي يريد الانفلات من أسر المادة - متخذاً من وجهة نظرية نفس التحفظ بالنسبة إلى كل من النزوعين اللذين تواكبهما- يسقط لا شعورياً في النزغة الأولى، ذلك أنه في الحقيقة منحصر التعلق - في المرحلة الراهنة من تطوره- (بالأشياء) لا (بالأفكار). ونحن نستطيع أن نفهم هذا الميل، على ضوء السيكولوجية الصبيانية: فالطفل لا يرى في العالم أفكاراً، ولكنه يرى أشياء؛ فكومة من قطع الحلوى، أثمن لديه بكثير من كومة من الجواهر! .. وكل المجتمعات البشرية تمر بهذه المرحلة من الصبيانية؛ وليس لغير ما سبب، أن يكون (لينين) قد كرَّس أحد كتبه (لأمراض الماركسية الصبيانية). غير أن هذا النزوع الفكري قد واكب، في العالم الإسلامي، استمراء السهولة. وإنه لمن المؤكد، أن شراء سيارة (كدلاك) أو ثلاجة، أسهل بكثير من الحصول على (الأفكار) الضرورية لصنعهما. ومن ثَمَّ نصل إلى هذا التقرير المتميز، المُتَمَثِّل في أن المادة التي كان من نتائجها في العالم المصمِّم التنمية من كمية (الأفكار)، كان من نتائجها العكسية في العالم الإسلامي، مضاعفة (الأشياء) فحسب .. ولا أحب أن أدفع بهذا التحليل الذي نجازف معه بالخروج عن الإطار الضيق المرصود لهذا المدخل، إلى أبعد من ذلك؛ مع أننا لو واصلنا أشواطاً أخرى، لعثرنا على تقريرات غير منتظرة. إلا أن هناك خلاصة لها أهميتها