إننا بتحليلنا في الفصل السالف، للوضعية السائدة في العالم الإسلامي، قد أكدنا كيف اتسَمت هذه الوضعية في أساسها بالتخلف الاجتماعي للإنسان المسلم، بالنسبة إلى تطور العالم العام. وجدير بنا الآن أن نركز الانتباه حول العوامل - أو بعضها على الأقل- التي تؤثر على تلك الوضعية بوصفها عوامل مسرِّعة او معجِّلة للتطور العالمي، وبالتالي نزَّاعة إلى المضاعفة من تخلف المجتمع الإسلامي، ورامية كذلك إلى تعضيد العناصر ذات الصبغة النفسية والاجتماعية التي تكوِّن معطيات المشكلة ومظاهر الأزمة التي سبق أن حللناها. وكما سلف أن بينا ذلك، فهذه الأزمة ليست في طبيعة مشاكل المجتمع الإسلامي، بقدر ما هي في موقف الإنسان المسلم بالنسبة إلى هذه المشاكل. ولكن إذا كانت طبيعة المشاكل في التقدير الأوَّلي للحلول التي توضع عليها، تقع في الدرجة الثانية، فإن مستوى هذه المشاكل يأتي على العكس من ذلك في الدرجة الأولى، ولذلك يتعيّن اعتبار المساحة الجغرافية للمشاكل التي نريد دراستها، فهناك مشاكل ذات صبغة قومية فحسب ينبغي أن تجد حلولها في البلاد نفسها التي تثار فيها. ففي القاهرة والخرطوم وليس في غيرها يجب أن تجد مسألة مياه النيل حلها وإن كان يمكن أن ينْضمَّ النيل إلى اقتصاد منطقة أخرى معينة، كما أشرت إلى ذلك على سبيل المثال في كتابي (فكرة الأفريقية الآسيوية) ( L'Afro-asiatique)، وكيف أن العربية السعودية نفسها يمكنها أن تساهم في بناء مثل هذا الاقتصاد الإقليمي. ولكن هناك مشاكل أخرى توضع في (الرباط Rabat) مثلاً إلا أنها لا يمكن أن تجد حلها قي نطاق مراكش وحدها لأن التاريخ قد حدد من طبيعتها، والتطور