الإدارية الضخمة فيَبْدَهُ نظرَه التباين البَيِّن بين العمارتين؛ إذ يتعين توافر عشرين مكعباً في حجم ذلك المسجد تقريباً، لكي تضارع حجم بناية (المجمَّع)! .. وإذن فهناك انقلاب واضح في سُلَّم الأشياء؛ إذ أن الحاج، قد ولد في عالم تقاس فيه الأطوال، على مستوى المساجد- كمسجد (ابن طولون) أو (الجامع الأزهر) - وهو يحيا الآن في عالم، تقاس فيه الأطوال على مستوى بناية إدارية .. وهذا الانقلاب، يمثل عَرَضاً من أعراض تطور العالم الإسلامي، منذ نصف قرن، ويعني أن سُلَّمَ الأشياء عندنا قد تبدل. ولكننا. يجب أن نضع الإنسان المسلم هو الآخر، في هذا المستوى نفسه- (المسلم المقود كإنسان بضرورات اجتماعية، والمدفوع كإنسان عقيدي برغائب أخلاقية معينة) - لنفهم ما يَعْتَمِلُ في داخله؛ ويمر بوعيه ...
٢ - أوَّلية المعيار الاجتماعي:
إن الإنسان المسلم لما يعرف بعد تماماً، عالم الضرورات، لأنه لم يصنعه بنفسه. إنه عالم مستورد، تدخل في حياته بفعل تقلُّبات تاريخه الخاص. لقد كان لا يزال نائماً، عندما وجد نفسه منْضَوياً فيه، حوالي منتصف القرن التاسع عشر، عندما فرضته النزعة الاستعمارية عليه وعلى نشاطاته، وعلى أذواقه أيضاً، بالتدريج. فهو يستطيع المعارضة في طابعه الخاص، لأنه في باطن الأمر، عندما يفحص تلك الضرورات عن كثب، لا تبدو لعينيه جد ضرورية. فأي ضرورة يا ما ترى في رقص (الروك آندرول Rock and roll) أو في ارتداء (الشوال) ... ؟ ولكن عالم الضرورات- الحقيقية أو المزيفة- يبلغ حداً من التعقيد، لا يبدو من السهل إزاءه عملياً، أن نقيم على عتبة كل (مَوْئِل) مصفاةً لا تسمح بالعبور لغير الضرورات الحقيقية. فهذا النوع من التكرير أو التصفية يمكن أن يحدث لا على عتبة كل أسرة بمفردها، ولكن على عتبة المجتمع نفسه. وهذا هو الذي لم يحدث بالفعل كما هي الحال بالنسبة إلى رب الأسرة الذي يريد