للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

١ - مناطق (الحضور):

إن (عالم أفكارنا) يتكوَّن بالتَّدريج، منذ اللحظة التي ندخل فيها هذا العالم. وهو يعانق على التوالي دائرة أوسع، بقدر ما نُحَسِّنُ من تفكيرنا في الأشياء، ابتداء من المرحلة/ ما قبل الاجتماعية/، في انتقالنا تقدمياً من محيط الأسرة إلى المحيط الاجتماعي. وهكذا يتكوَّن تفكيرنا وتنمو معه أفكارنا من احتكاكنا بعالم الأشياء.

وهذا الاطراد النفسي هو الذي يحدد الخصائص الاجتماعية (للأنا) لدى الطفل، كما يحدد على نحو ما مدى حقل نشاطه، أو بتعبير آخر فَلَكَ (حضوره) في العالم، وبقدر ما تزداد تربية الطفل، بقدر ما تكتمل الخصائص الاجتماعية (لأناه)، وتتسع دائرة (حضوره) في العالم، وتخصب شخصيته. ومن ناحية أخرى، نلاحظ أن تكيّف طفل اليوم مع (عالم الأفكار) وتكوُّن دائرة حضوره، يتمان بأسرع مما كان عليه الأمر قديماً.

فالعنصر الصياغي الذي أبرز إلى الوجود من الوجهة الجغرافية- السياسية.: المساحات الكبيرة المخططة، وسَرَّع التطور الاجتماعي للكتل البشرية التي تعيش في هذه المساحات، قد سَرَّع كذلك، من وجهة النظر النفسية، تكيف الأطفال مع (عالم الأفكار)، لأن الطفل نفسه قد أصبح يعيش في مجال أوسع، بفضل المذياع، والسينما والتلفزيون، ومجلات الأطفال المصورة. فقد حدث ما يشبه التمدد في مستواه الشخصي، وعلى العكس من ذلك، إذا ما طرأت ظروف خاصة لا تمكنه من التكيف بهذه الطريقة، فهو يبدو متخلفاً بالنسبة إلى جيله، ومن ثَمَّ تطول مرحلته ما قبل الاجتماعية.

<<  <   >  >>