وإذن فما هي قيمة مجتمعنا الآن؟ .. مهما يكن من أمر، فإن شيئاً واحداً هو المؤكد: وهو أن (أساسنا المفاهيمي) ضعيف للغاية، و (عالم أشيائنا) لا يرتكز على كبير شيء. مضافاً إلى ذلك أنه حتى (الأشياء) الموجودة في هذا العالم، كنَّا قد اشتريناها من مجتمعات تملك (أفكاراً).
٢ - الفكرة ومراقب الاستعمار:
والواقع أنه يضاف- إلى ضعف جهازنا المفاهيمي الذي كنا بصدد الإشارة إلى فساده الداخلي- مفعول إضعاف آخر يتأتى من الخارج. فنحن عندما نجهل قيمة شيء معين، لا يعني هذا مطلقاً أن كل العالم يجهلها مثلنا. ولنتخذ لهذا مثلاً: فهناك أجيال من إخواننا في الدين، قد عاشت في العراق على مقربة من منابع البترول المنتشرة على سطح الأرض، ولكن هذه الأجيال قد ظلت تجهل الثروة الماثلة لأبصارها، حتى حان الوقت الذي أحسّ فيه مغامر أرْمنِيُّ بالأمر، وكان يحيا في اسطنبول معدماً لا يملك نقيراً، وإذا به يقوم بأكبر صفقة مالية في ذلك الحين، بتخليه لإحدى الشركات الإنكليزية عن حقوق ليست له، ولكن جهالة المسلمين هي التي مكنته من اكتسابها في مقابل لقمة خبز!.
وقسْ على ذلك الحال بالنسبة إلى القيمة الاجتماعية للفكرة؛ إذ يمكن أن نكون على جهل بقيمتها، بل نحن نجهلها فعلاً، ولكن الاستعمار لا يجهلها مثلنا. فقد مَكَّنَ في العالم لجهاز من المراقب التي تقتصر مهمتها على تَرَصُّد حركة الأفكار، ومنها نفهم أن كل ما يمرّ في العالم الإسلامي من أفكار يهمه بصفة خاصة، بقدر ما يهمه البترول، بل أكثر من ذلك بكثير.
وبطبيعة الحال فهذا الاهتمام ليس لمصلحة فكرية محضة، فالاستعمار ليس من هواة الرَّقائق الفكرية أو المولعين بها، ولا هو من زارعي الأفكار أو مكتسبيها. فله أفكاره الخاصة به، وهو يحتفظ بها لنفسه بغيرة، مفضلاً بيع