(أشيائه) لنا. ولكنه لكي يحافظ على احتكاره (للأفكار)، قد مكن، على وجه الدقة، في العالم: لجهاز كامل من الْمَراقب التي تستكشف الأفكار، وتتتبع تحركاتها باهتمام بالغ. واهتمامه بها، اهتمام عملي محض، لأن الأمر ينحصر بالنسبة إليه في حماية ذلك الاحتكار لنفسه. وهذا يؤول عملياً إلى صياغة فنية واستراتيجية خاصة، ليس لدى العالم الإسلامي أي فكرة عنها.
والاستعمار لا يقنع بمجرد الاستعلام عن حركة الأفكار؛ فهذا شأن (الفيلسوف)، إلا أن للاستعمار فلسفته الخاصة التي تتمثل في التخلص من الأفكار التي تضايقه، وفي الانحراف بها عن مراميها، بتوجيهها خارج المدار الذي أراد أصحابها استبقاءها فيه.
- كيف يتخلص من فكرة معينة! ... كيف ينحرف بها ويوجهها خارج مدارها؟ ... - ها هنا بالذات تتجلى عبقرية الاستعمار الجهنمية.
ويتعين علينا أولاً أن نقبل مبدئياً: أن الاستعمار يعرف- على الأقل أكثر مما نعرف نحن أنفسنا- كلَّ التفاصيل التي أشرنا إليها بصدد ضعف أساسنا المفاهيمي، وربما لا نكون سوى مجرد أطفال بإزاء الأخصائيين الذين يعملون منذ عشرات السنين في مختبرات الاستعمار النفسية، حيث يمتلكون بالإضافة إلى ذلك، كل وسائل الاستعلام التي لا يمكننا امتلاكها الآن. وإذن فهو محيطٌ علماً بكل ثغرات نفسيتنا، ولذلك فهو عندما يقوم بمعركة مفاهيمية، يكون على معرفة تامة بأرض المعركة أولاً وبالذات، ثم إنه على معرفة فنية (بالفكرة) باعتبارها وسيلة من الوسائل، من حيث معرفته لقيمتها الرياضية، وحدود هذه القيمة في النهاية.
ولذلك فهو يطبق عليها كل قواعد الحساب الأوَّلي تقريباً، للتبديل من قيمتها بالزيادة أو النقص، حسب متطلبات القضية، وحسب البطاقات النفسية