العام قد حدد مستواها بطريقة لا يمكن معها لتلك المشاكل أن تحسم إلا بحل عام يمكن تطبيقه في الرباط وجاكرتا معاً، أعني في مساحة معينة.
٢ - أسباب جغرافية سياسية:
والمتبقي هو أن هذه الاعتبارات قد أصبحت مُعَضَّدة بالاتجاه العام للتاريخ المعاصر. فهناك في نهاية الأمر مظهر جديد في التطور الراهن للعالم. فالعامل الفني الذي ترتب عليه، في مجرى النصف الأخير من القرن العشرين، تمركز القوة على محور واشنطن- موسكو، ترتب عليه من جراء هذا الحدث نفسه نتيجة أخرى ذات صبغة جغرافية- سياسية، فهذه القوة المركزية تحدد بدورها ظاهرة معينة، إذ هي قد أبرزت إلى حيز الوجود، المساحة المخططة، حيث يمكن أن يكون الاقتصاد منغلقاً على ذاته بقصد غايات استراتيجية. وبطبيعة الحال، فهذه الظاهرة لا تحدد مساحة مفردة، ولكن (مساحات مخططة) عديدة؛ وهي المساحات الكبرى التي تتطابق مع وحدات جغرافية- سياسية تواقة إلى البقاء في دائرة مغلقة، أو هي تكتمل على الأقل في هذا الاتجاه، وحيث تمركزت القوة أو هي بصدد الاتجاه إلى هذا التمركز. فكتلة الحلف الأطلنطي والاتحاد السوفييتي والصين الشعبية والاتحاد الهندي؛ تمثل كلها نماذج مختلفة ومتفاوتة الاكتمال لهذه (المساحات المخططة) التي تمركزت فيها القوة أو هي في طريقها إلى هذا التمركز. والمؤكد أن المشاكل في هذه المساحات، حتى ولو لم تتغير من حيث طبيعتها في قليل أو كثير، فإنها مع ذلك مسوقة إلى مستوى أكبر، وهي تتخذ من جراء هذا الحدث نفسه مظاهر فنية معينة يهيمن عليها قانون الأعداد.
على أن تلك الوحدات ليست مجزَّأة داخلياً بالطريقة نفسها ما دامت هذه (الفِقَر) - إن صح التعبير- متفاوتة في مرونتها، مضافاً إلى ذلك أن طابعها السياسي لا يهمنا، ولكن الذي يهمنا هو المظهر الفني والنفسي للمشاكل الجديدة