إن الحاج المسلم- الذي تضعه (الحافلة)، أثناء وقفة من وقفاتها، في إحدى المحطات، تحت صوامع حي الأزهر، التي طاما اختلطت بأحلامه كإنسان ذي عقيدة- يغتنم فرصة نزوله غالباً، لزيارة القاهرة. وبقدر ما يمكث داخل الدائرة التي حافظت فيها الحياة على طابعها التقليدي في قليل أو كثير- في حي (الموسكي) وما يجاوره على سبيل المثال- تحتفظ ارتساماته بلونها العادي، مع مرتفعات ومنخفضات يتلقاها انفعاله، من حب استطلاع طبيعي لديه. إنه يوجد في محيط توقظ فيه كل خطوة يخطوها، ذكرى تركتها في وعيه، حكايات أجيال الحجيج السابقة له من أسرته. فهو المحيط الذي ترعرت فيه طفولته بأحلامها الملونة، وتكونت فيه شخصيته كذلك؛ إن له روابط لا مرئية، ووشائج من القرابة الخفية، مع هذا العالم من الصوامع، والتوابيت المطعَّمة بالعاج، والأخشاب الثمينة؛ حيث لا يقاس الزمن بغير الفواصل بين الصلوات، أو بمواعيد الوجبات الغذائية الثلاث! .. فآلاف الأشياء الصغيرة، المعروضة على جنبات الدكاكين، وهذه الأشباح المارة من السكك الصغيرة، وتلك الجماعات التي تتجاذب الأحاديث أمام المقاهي الشعبية المنبثة كما اتفق في أي زاوية أو ركن، وهذا الظل الظليل حول المساجد التي ينتظر المتسوّلون أمام أبوابها إحسان المحسنين، مرددين أدعيتهم وصلواتهم الخالدة! .. وكذلك المرأة التي تدفع - لا شعورياً- بطرفٍ من برقعها فوق رأسها ... كل هؤلاء يتكلمون مع هذا الحاج لغة مألوفة. إنه عالم يعرفه حق المعرفة، لأنه يحمل صورته في أفكاره الحميمة، في أحاسيسه وردود أفعاله. وهو العالم الذي فُصِّلَ على مقاسه، فوضع في