فالتقاطب المزدوج الذي أشرنا إليه فيما مضى، ونحن بصدد النفسية الإسلامية- ملاحظين لما هو واقع من عدم الترابط العضوي بين عالم (الأشياء) وعالم (الأفكار) - يترجم هنا بعقلية مزدوجة كذلك، فالإنسان الذي يضحك في (السينما) يمثل (مناظراً) للإنسان الذي يبكي. والإنسان الذي يكتب- بين السطور على الأقل- أن الإسلام أصبح شيئاً فات أوانه، ويتعين استبداله بما يحل محله، يمثل مواجهاً للإنسان الذى ينادي بالعودة إلى إسلام اجتماعي بوصفه الوسيلة الوحيدة للنجاة. إنها قطبان متقابلان في حياة المجتمع الإسلامي الراهن: الفكرية والعاطفية. وكل هذا النشاز، وكل هذا (اللاتناغم) من شأنهما أن يضيفا مفعولهما النفسي للاضطراب الأخلاقي السائد في هذا المجتمع. وإذا كنا رأينا شاباً مسلماً ينفلت ببساطة من الأرض وتبعاتها. بمثل ذلك الجواب الذي ردّ به سنة ١٩١٢م على الضابط الفرنسي أرنست بسيكاري فإننا نستطيع أن نرى في يومنا هذا أحد كبار المسؤولين الإداريين المسلمين مثلاً، ينفلت من الإسلام بحجة أن الدين قد أدى مهمته الاجتماعية، وأنه يجب أن يدع مكانه من هنا فصاعداً في هذه المهمة إلى العلوم الاجتماعية! .. لندعْ هذا الشخص لشروده ... فالذي تهمنا معرفته آنئذ، هو أن الظاهرة الاجتماعية التي يترجمها بطريقته ومنطقه الخاص، يجب أن تترجم بشكل أو بآخر في الواعية الإسلامية ذاتها ...
٦ - تكوين الفكرة:
إن الاعتبارات التي قدّمناها في الفقرات السالفة، تترجم بكل طريقة عن أزمة النموّ، التي يجتازها العالم الإسلامي منذ أن استيقظ وعيه. وهي اعتبارات تكوّن في جملتها المظهر المرَضيّ، لما تعورف عليه (بالنهضة)؛ فالأزمة نتيجة لهذه النهضة. ونحن نستطيع أن نبوب عناصرها حسب طبيعتها الاجتماعية والنفسية، كما سلف أن قدَّمنا؛ فالتأخر في المجال الاجتماعي، وفي الشروط الراهنة لتطور العالم العام، يُترجم باضطراب في المجال الأخلاقي؛ وهذا الاضطراب