للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

نعزو إليها هذا الاضطراب اللاشعوري في فكرة الشاب الموريتاني تلك، عن ممارسة مفعولها بطبيعة الحال؛ فنحن لو نظرنا إلى بعض الاعتبارات المعينة، يمكننا أن نقول: إن ذلك الاضطراب قد زاد احتداماً، في الحد الفاصل الذي يمكن أن نتصوره بين المستوى الصياغي (أو الفني) للعالم المخطط سنة ١٩١٢م، وبين مستواه الراهن. وحينئذ، فاضطراب الواعية المسلمة حتى لدى الإنسان الشعبي، ليس إلا نتيجة مباشرة في قليل أو كثير لذلك الفاضل الذي نستبين منه أن التطور الصياغي الراهن للعالم قد زاد ولم ينقص من تخلف المجتمع الإسلامي بالنسبة إلى الإيقاع العام؛ لأن الذي تهمنا مقارنته هنا ليس الوضعية الراهنة للعالم الإسلامي بالنسبة إلى وضعيته التي كان عليها حوالي سنة ١٩١٣م، ولكان بالنسبة إلى الوضعية العامة التي تنتظم عالم اليوم. ومن هنا نلاحظ أن مفعول هذا التخلف قد تفشى فعلياً في الواعية المسلمة منذ ربع قرن. فهناك احتدام مَأْساويّ لهذا التحلف الذي ندرك نتيجته في أشكال مختلفة للحياة الإسلامية الحالية. وبطبيعة الحال فهذه الأشكال غالباً ما تكون متناقضة ومتقابلة. ولنراقب إذا أردنا ردّ فعل المتفزجين من المسلمين بإحدى قاعات (السينما) في موقف من مواقف فيلم أجنبي؛ إننا نرى متفرجاً يضحك والآخر يبكي من الانفعال. وأنا أتخذ (الفيلم) الأجنبي وليس العربي كمعيار لأنه يتيح لنا بطريقة أفضل التمييز بين تباين استجابات المتفرجين المسلمين بالنسبة إلى (عالم الأفكار) الذي نحن بصدده. وعلى صعيد آخر، وعلى مستوى أرقى إن صح التعبير، نرى حركة نشر وصحافة رائدة تقف في صف كل المبتكرات- كالشوال أو غيره- معتقدة أنها تخدم بذلك تجدد البلاد، أو هي تقف في صف كل الحريات، معتقدة أنها تسهم في تحرير الأمة؛ وكان من الطبيعي أن نرى في نفس الوقت انبثاق حركة (أدب إجتماعي) تواجه كل عنوان من عناوين المنشورات السالفة بعنوان مضاد، مثل: (العدالة الاجتماعية في الإسلام)؛ و (الملكية في الإسلام)!.

<<  <   >  >>