غالباً ما نذكّر بأن القرن التاسع عشر، قد كان قرن التاريخ، لأن مشاكله توضع في الزمان، ويتم تقصِّيه للأحداث في ماضي البشرية حتى تخوم ما قبل التاريخ.
وكذلك يقال إن القرن العشرين، هو قرن الجغرافيا السياسية، لأن مشاكله أميل إلى عناق معطيات المكان؛ وبما أنه قد شاهد ظهور المساحات الكبيرة المخططة، فقد أدى به اطراده في هذا الاتجاه، إلى أن يشاهد الآن المحاولات الأولى، لفتح ما بين الكواكب من مجال.
وإن دوائر الأفكار التي قدمنا تخطيطها الرامز لهذا المفهوم، لهي الترجمة البسيطة لهذه الظاهرة العامة في حياة المسلم. فقد أصبح الإنسان المسلم ذاته مرغماً على الحياة في مجال أكبر، أو بتعبير أدق، في مجالات متعددة، فهو في أحدها مواطن في بلاد معينة، وفي الآخر يمكن أن يكون من مشمولات وحدة فدرالية ذات طابع سياسي سُلالي، وفي مجال ثالث يكون فرداً تابعاً لمجتمع ذي طابع ديني، وفي الرابع يمثل عضواً في مُتَّحَدٍ ما زال يبحث عن تحديد طابعه ورسالته، وأخيراً فهو في حيِّز القوة (مواطن عالمي) حسب التعبير الأصيل المعزوّ إلى جاري ديويز ( Garry Dawies).
ولكننا حتى الآن لم نضع مشكلة الإنسان المسلم إلا بالنسبة إلى المجال المحدد (بدار الإسلام). ويمكن للقارئ أن يقدر أننا بهذه الطريقة، قد استطعنا أن نهمل، في قليل أو كثير، المعطيات التي تتدخل على حد سواء في تلك المشكلة، إما باعتبارها عاملاً محدداً لموقف الإنسان المسلم الاجتماعي، أو باعتبارها نتيجة مترتبة على هذا الموقف. وهذا حق فقد قصرنا موضوعنا طواعية على زاوية جد محدودة، إذ لم نأخذ في اعتبارنا إلا العناصر التي تتعلق مباشرة بفكرة