الوقائع الباطني، يوجد الدليل الكافي على حضور المسلم في عالم الآخرين، ليس فحسب في دائرة مصالحه ومشاكله الذاتية بصفته مواطناً وعقيدياً، ولكن في الدوائر الأخرى كمجرد (إنسان).
إلا أنه يجب أن نربط مفهوم الشهادة هذا، بكل الأهمية المتطابقة مع الدلالة التي يمنحه إياها القرآن، لكي نجعل منه رسالة المسلم الأساسية. كما يجب أن نطرح المسألة على الصعيد (الأُخْرَوِيّ)، لكي نستكشف دلالتها بمزيد من الجلاء، وإن كنا لا ننتوي القيام بذلك في هذه الفقرة.
٤ - الرسالة:
وهناك مفهوم آخر يوضحه تخطيط الدوائر كذلك فيما يتعلق بالإنسان المسلم الذي يجب عليه أن يقوم بدور الشاهد، كما سلف القول؛ فهذا المفهوم قد بيَّن لنا أنه يتعيَّن عليه الحضور في مجال الآخرين- أو بتَعبير مُتَمَشٍّ مع تخطيطنا- في الدائرتين ٤ و ٥، ما دام حاضراً في الدوائر السابقة لهما.
وفي ذات الوقت الذي يكون فيه (شاهداً)، يتعين عليه أن يصبح (رسولاً). كذلك، أعني صاحب رسالة يبلغها إلى الآخرين.
لقد ختم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - (حجة الوداع) - كما نعلم جميعاً- بإشهاد ذي أهمية خاصة من وجهة النظر الأخلاقية، إذ توجّه بخطابه إلى جموع المؤمنين التي كانت تستمع إليه في صمت وخشوع، بعد أن أدّى إليهم آخر وصاياه، متخذاً السماء شهيداً، فقال لهم:«ألا ليبلِّغ الشاهد منكم الغائب».
فهذه العبارة تسجل رمزياً ختام رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكنها تسجل في الوقت ذاته اللحظة المشهودة التي تصبح فيها هذه الرسالة، بما في محتواها من أساسي، الرسالةَ الخاصة بكل مسلم (حاضر) بإزاء (الغائبين). ولكي نعطي هذا المشهد الدلالة المتطابقة مع رمزيته، يجب أن نربط كلماته ذاتها بمعنى