والتخطيط السالف يمكن أن يتيح المجال لاعتبارات بالغة الأهمية متعلقة بهذا المظهر الأخلاقي، تلتقي تماماً مع الاعتبارات التي قدمناها في الفقرتين السالفتين، أو هي تواكبها امتداداً على نحو من الأنحاء ..
فالواقع أن (الشاهد) في أساسه هو (الحاضر) في عالم الآخرين. والصفة الأولى المكتسبة، لإثبات قيمة أي (شهادة) هي: (حضور) الشاهد. ومنذئذ، إذا كان متعيناً على المسلم أن يقوم بالدور الملقى على عاتقه في الآية السالفة، فهو مجبر على الحياة في اتصال وثيق بأكبر عدد من الذوات البشرية ومشاكلها كذلك. ومن ثم يتعين على (حضوره) أن يعانق أقصى حدّ ممكن في المكان، لكي تعانق (شهادته) أقص كمٍّ ممكن من الوقائع. وعلاوة على ذلك، فإن المسلم في هذه الحالة ليس صاحب دور سلبي محض؛ إذ أن حضوره نفسه يؤثر على الأشياء وعلى أعمال الآخرين.
فعندما يكون الشاهد حاضراً، يمكن لحضوره فحسب أن يغير من سير الأحداث، وأن يجنب الوقوع في المحظور؛ وعلى هذا فإن رسالة المسلم في عالم الآخرين لا تتمثل في ملاحظة الوقائع، ولكن في تبديل مجرى الأحداث، بردها إلى اتجاه (الخير) ما استطاع إلى ذلك سبيلاً:
«من رآى منم منكراً، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».
فهذا الحديث يضبط درجات الشهادة الثلاث، والدرجة الثالثة تمثّل الحضور المحض من غير تأثير مشاهد على الأحداث. وحتى في هذه الدرجة التي يصفها الحديث «بأضعف الإيمان»، ليس حضور المسلم بالسلبيّة المحضة ... ففي تَثبّت