توجيه تربية أطفاله وحياتهم إذ يجد نفسه محمولاً على إعداد حساب معين للضرورات الزائفة ... هكذا غزت الحياة الإسلامية- بدون تصفية أو بنصف تصفية- أشياءُ عديدة ليست ضرورية مطلقاً، ظلَّت تقلب التقاليد والأفكار والرغائب التي كانت تحرك تلك الحياة حتى يومنا هذا ...
ونحن ندرك أن الوعي الإسلامي، قد- أصبح ممزقاً منذئذ، بإن الرغبة في استدراك تأخر يعرف شدة وقعه في المجال السياسي- ونعني به التأخر الذي حاق به على الصعيد الاجتماعي- وبين الرغبة في إنقاذ تراث أخلاقي يعرف مدى قيته. وإذا كان يمكن لهذا التوق المزدوج أن يجد- في شكل من أشكال التطور الموجه- تعبيره في صورة تركيب يتم فيه التوفيق بين الحدود المتضاربة والمتنافرة، فإنه على العكس من ذلك تماماً قد أنتج تناقضاً صريحاً في التطور الحقيقي المتَّبَع من طرف البلاد الإسلامية منذ نصفه قرن. فقد مُزَّق وعي الإنسان المسلم في يومنا هذا من جراء التناقض، لأن هذا الإنسان لم يعرف كيف يندمج في عالم زمني هو مرغم على الحياة فيه، وإن كان لم يتمثل بعد معاييره. وهذا حدث من أحداث تطور (إعوازيّ entropique) كان قد زاد من حجم الأشياء أكثر مما زاد في حجم الأفكار ... وقد ترتب على ذلك في الفكر الإسلامي. (تقاطب polarisation) مزدوج، شطر حياته النفسية إلى عالمين منفصلين: فالمسلم يعيش في عالم غريب له منه (أشياؤه) وليس- (أفكاره)؛ وتلك خاصية النفسية الصبيانية، عندما يبدأ الطفل بوضع يده على الأشياء من غير استعداد لفهمها، فإذا بنا نراه أحياناً يمد يده إلى القمر جاداً في طلابه ولكن من غير طائل بطبيعة الحال! فهذه الحركة. تبدو لنا جذابة، لدى الطفل الذي تضحكنا منه هذه البادرة الدالة على براءته، عندما يندفع في أول تجاربه، لالتقاط. عود ثقاب مثلاً، أشْعِل بغية إثارة حبوره .. ولكننا ندرك كم يكون مثل هذه الحركة فاجعاً، في مجتمع مندفع وراء (الأشياء)، وكم يمكن أن تكون حروق هذا المجتمع نفسه شديدة الإيلام!.