للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فكان رده هذا، لكي يتمكن من تحمل الثقل الساحق، لكومات (الأشياء) التي أدلخها في حياته، ولكي يستوعب الضغط الضخم (للأفكار) التي تهدد شخصيته وبقاءه: بالإلزام من طرف الأشياء، وما فوق الإلزام من طرف الأفكار؛ فما أن يقذف أحد مصمِّمي الأزياء في باريس بموضة خارجة عن العرف، حتى تثار مشكلة (الشوال) الأخلاقية بخطورة في العواصم الإسلامية، حيث يستدعي الحدث استفتاء المشايخ الموقرين في هذا الموضوع! وهكذا يمدنا المجتمع الإسلامي بمفاجآت تضيء لنا بوضوح طوراً غريباً من تطوره؛ وإننا لنلتقي في هذا المجتمع أحياناً بلمحات أكثر بهاء، وأشد جاذبية في الوقت ذاته، لدى بعض البلاد التي لا تزال في حداثة ذلك التطور، حيث لم يتخلص الجيل الراهن بعد، من الطور الاجتماعي السابق للطور الذي نحن بصدده. فنحن نرى؛ على سبيل المثال، الشرطة السعودية، تنظم حركة مرور هامة لقوافل السيارات التي تتضخم بشكل مفرط أثناء موسم الحج، حتى ليؤول الأمر بطبيعة الحال إلى تكاثر الزحام في بعض مراكز هذا المرور الوقتي، وبالخصوص في مكة وعرفات و (مِنَى)، وإذا بنا نرى الشرطي المنهمك بضخامة طابور العربات، يتصرف تماماً كما لو كان أمام قافلة من العير. لقد صادف أن كنت أؤدي فريضة الحج منذ حوالي ثلاث سنوات، فرأيت الشرطي، وهو منهمك لبعض الوقت، وإن كانت البسمة لا تفارق محياه، يطرق بضربات عصاه التي يمسكها في يده إذ ذاك، على ظهر العربة التي أوجد داخلها، تماماً كما لو كان يعطي نفس الضربات لأحد العير، كي يجعله يمر مسرعاً، ويدع القافلة تتقدم في سيرها! ولا ريب في أن هذه الصورة مفرطة في البساطة، باعتبارها علامة من علامات التطور الاجتماعي للعالم الإسلامي، ولكنها تترجم بدقة كافية عن طور من أطوار تطوره النفسي .. وإننا لنستطيع جمع صور أخرى، لها الدلالة العَرَضِيَّة نفسها، بالنسبة إلى الحالة الاجتماعية والنفسية الراهنة. ففي أثناء موسم الحج ذاته، يمكننا أن نشاهد على سبيل المثال، أحد الشبان (يطوف) في شوارع (المدينة) المزدحمة، على دراجة

<<  <   >  >>