في هذا التخطيط تلاقينا عوارض التخطيط السالف، أولاً فيما يتعلق بالنقطة المركزية التي لا يمكن تأويلها هنا باعتبارها (إرادة خاصة)، وهو على نقيض سالفه، بتمثيله لنقطة التقاء خمس بوادر أو ستة في نظر الإنسان المسلم وغير المسلم سيان، سيكون من جراء هذا الاعتبار ذاته: التعبير الأكثر حقيقية عن (الإرادة الجماعية) الإسلامية. فهو يحقق إذن، وبطريقة مسبقة في شكله المحسوس، هذه الإرادة الجماعية مانحاً للمبدأ المكامل الذي سبق أن تحدثنا عنه كل فعاليته منذ البداية، حاثاً من جراء هذا الاعتبار ذاته عملية التكامل، وهذا أساسي للغاية.
وإذن فنحن بتوزيعنا العمل على لجان محلية مكلفة بدراسة المشروع، نكون قد كونا بهذا التوزيع نفسه وبطريقة مباشرة، التدشين الرمزي للكمنويلث الإسلامي، وكأننا قمنا بما يشبه وضع الحجر الأساسي في البناية. أما العمل الدراسي لهذه اللجان، الذي يبدأ من الداخل إلى المحيط كما قلنا، فسيكون- مهما تكن مدته- العمل التكويني، إذ يكون الكمنويلث الإسلامي قد ولد من خلاله في (عالم الأفكار)، ولم يتبق غير دخوله في عالم الوقائع التاريخية، ولسوف يدخله عمل تلك اللجان بطريقة مطردة في هذا المجال الأخير، لأن مواصلة هذا العمل ذاته تحتم بينهما مبادلات تربطها ضرورياً (بقاعدة مجمَّعة) أو (جهاز مركزي)، وهذا الجهاز، بوصله لتلك اللجان فيما بينها، سيكوِّن تيار التفكير الإسلامي، وبما أنه هذا التيار على وجه الدقة، هو الهدف الرئيسي الذي خلقت هذه اللجان من أجله، فإنها سوف تكون قد بلغت هدفها على نحو من الأنحاء، قبل إنجازها لعملها ذاته، لأن هذا العمل نفسه- ككل الأعمال التي تتعلق بالمجال البشري- هو في الوقت ذاته ذو صبغة فنية وأخرى (رمزية). والرمز في حد ذاته، ليس إلا عملية خلق، لأنه (يقاطب) بين الطاقات البشرية ويرغمها على الالتقاء في نقطة معينة. وإن عملية الخلق لتتم أحياناً قبل دخولها في المجال