- ها أنتما تريان أن هذه الأجزاء قد تخلَّصت من تلك المسافة الفاصلة في القاهرة، حيث تتمثَّل هذه الأجزاء في صورة بعوث طالبية، فهَلاَّ رأيتما هؤلاء الطلاب يقيمون فيما بينهم تيَّاراً فكريّاً؟
ولقد بدَّد سؤالي هذا ولا ريب في ذهنيهما (تُرَّهة المسافة) لأنَّني رأيتهما يبتسمان كما يبتسم الطيِّبون من أولي العقيدة، عندما يكتشفون غلطتهم بأنفسهم! ..
وهناك أشكال أخرى من اللاَّفعَّالية غير التُّرَّهات، أو هي على الأقل تبزر بترهات من نوع آخر، وتفسَّر في النهاية بالداء نفسه المتمثل في: العجز في الأفكار، وانعدام الاتصال بين عالم أفكارنا وعالم أشيائنا.
لاحظوا سلوكَ أحد الوُعَّاظ المصلحين: ما الذي يريد عمله؟
تُراه يبغي إصلاح المجتمع بكلماته ومواعظه؟ هذا حسن جدّاً.
ولكننا نتساءل: في أيِّ البقاع تبدو الحاجة أمَسَّ إلى كلماته؟
إنها تبدو بطبيعة الحال في القطاع الاجتماعي الذي يمكن لمواعظه أن تحدث فيه أكبر قدر مستطاع من التأثير، أعني في البقاع التي تُرك فيها الشعب لمصيره من غير تعليم، ومن غير عمل، ومن غير مثال بناء يُنَزِّله منزلة القُدْوة. وإذن فالمتعَيِّنُ على هذا المصلح أن يحمل كلماته إلى أسفل وأوسع قطاع ممكن؛ أعني إلى الطبقات السفلية من الأهلين، وإذا بنا نراه يقف شخصه على (الأفراد الموسرين)، الذين يسعون بأنفسهم إلى جوار منبره، أو أمام مِنَصَّتِه، ليسمعوا أقواله، ثم يعودون به إلى مقره في عرباتهم الفخمة!
وفي حالة أبعد من أن تكون مماثلة لهذه، حيث وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات مرة كبماتِه على (وجهاء القوم)، فجابهه القرآن بالآية: