بن نبي أن المسلم المنتمي إلى رقعته الجغرافية يستبطن هامشيته على خريطة العالم وهذا يدفعه إلى أحد احتمالين:
فإما أنه يقوم بثورة تستجيب للعوامل النفسية والاجتماعية الخاصة به.
وإما أنه يستجيب لثورة تأتيه من الخارج في غياب قيادة حكيمة ترسم له خطة سيره.
كانت هذه أفكاراً ورؤى، تشغل فكر مالك بن نبي ذلك الزمن، وهو يتطلع إلى سير التطورات الثورية والشعارات التي تنوش فكر النخبة والجيل الصاعد، فتوزعه بدداً إلى تيارات تضج بها نهاية الخمسينات، وتُوَرِّثُ الانقسامات الحادة والتناقضات على سطح المجتمع الواحد، وتركس الإرادة عن خطى الغد.
لذا كان كتابه هذا إشارات في ضباب ذلك الزمن، تضيء سبل التطلع إلى غدٍ بانت معالمه اليوم، حين يعاد رسم الخريطة السياسية للشرق والغرب. فتبرز وحدة أوروبا كحقيقة ترتد إلى عمق أصولها وترأب صدع (البيت الأوروبي) على حد تعبير غورباتشوف.
هكذا يصحو العالم الإسلامي، الذي قسمته الثورات المستوردة، على حقيقة واقعه: إنه مطرود من المعسكر الاشتراكي في ظل (البروستريكا)، ومنهوب من المعسكر الرأسمالي، خالي الوفاض رسالةً وثروةً بل تربك خطاه النزاعات الطائفية والعرقية والمذهبية. وتتخذ الأصولية سبلاً لها في ضباب جديد تنثره في أجوائنا رياح العصر الإسرائيلي لتعثر به الأقدام، حين تشتد الانقسامات مرة جديدة على سطح المجتمع.
فإذا كنا اليوم نطوي صفحة يمين الأمس ويساره، فها نحن نعيد سيرتنا في الدوران حول أنفسنا، حين نفتح صفحة الأصولية المتشددة الرافضة، والاعتدال