المنحطة للبضاعة الأهلية، مثل الحلفة، في الأسواق العالمية ... وهم .. وهم ...
ولكن فلنكف عن هذه التسلية ... ولنعد للجد: إننا لا نستطيع أن نتصور أن المحاضرة المقتدرة على هذا الجانب من البساطة حتى تعتقد أن الشعب الجزائري يدين بحالته التعيسة إلى بعض الأرواح الشريرة المتجسدة في قادته، وأن الاضطهاد الرهيب الذي يئن تحته الشعب التونسي اليوم من صنع فرحات حشاد (١) على سبيل المثال؟
ولكن فلنحذر أن ننزلق إلى الاعتبارات السياسية .. وليبق حديثنا على ((النية التحضيرية)) إننا لا نتصور هذه النية في سياسة الغرب في المستعمرات لأننا لا نعرف الركن الذي تشغله هذه النية في شيء يسمى ((ضمير الاستعمار)) ... بل نشعر أحياناً بأنه يجب قلب ما قالته مدام فيس لنكون في الصواب، لأننا نرى فعلا الاستعمار يتدخل في شؤون ((الحياة الأهلية)) - كما يعبرون- في اتجاه ينافي تماماً كل حضارة وكل نية تحضير ... ولا حاجة لنا بتجربة نادرة كي نتأكد من هذه الحقيقة.
وفيما يخصني، فإنه يمكنني القول، بأن أي مجهود حضاري بذلته منذ عشرين سنة، كرجل يمارس الحياة الفكرية إلى حد ما، قد رجع علي، من الناحيه الإِدارية بكل شر ...
وعلى سبيل المثال أذكر أنني قدمت، بعد نهاية دراستي سنة ١٩٣٦، طلباً إلى الوزير المسؤول بباريس من أجل تأسيس معهد بقسنطينة لتحضير الطلبة الذين يرغبون في الدخول إلى كليات الهندسة ... فلم يأتني رد.
وفي سنة ٩٣٨ ١ - ١٩٣٩ أسست بمدينة مرسيليا مدرسة للأميين في سن متقدم من بين إخواننا العمال المشتغلين بفرانسا، فدعتني الإدارة المختصة ومنعتني من أن أواصل التدريس في هذا المعهد البسيط بدعوى أنه ليس لدي المؤهلات.
(١) فرحات حشاد هو أحد شهداء الحركة الوطنية التونسية وقد قتله الاستعمار ومثل به بصورة شنيعة.