في اهتمام أصحاب الأعمال الاستعماريين، وهم الذين بأيديهم وسائل التشغيل جميعها، إذ زيادة على إشرافهم على القطاع العام، يتصرفون في أغلبية القطاع الخاص. وقد تأتيني في يوم واحد من جهتين مختلفتين أنباء تدل على أن العامل الجزائري يعاني وضعاً واحداً في أي ناحية من البلد: ففي مدينة الجزائر أو في مدينة سكيكدة يُرفض العامل المسلم كلما وجدت الفرصة لتشغيل الأوروبي حتى لا يبقى مكان للأول إلا في الأشغال الشاقة، في الزراعة وفي المناجم حيث يجد العامل المسلم من يشغله، ولكن في أي جحيم!!
هذا بالنسبة للعموم. أما بالنسبة للفرد على وجه الخصوص، فالقضية أكثر حدة ودقة، حيث ((المعامل الاستعماري)) يفرض على الفرد، لتصبح أحياناً مواهبه العقلية غير لازمة واجتهاده الشخصي فاقد الجدوى، ولكي لا يشعر ابن المستعمرات أن الخبز ((حق)) مقدس يحققه له مجهوده وعرقه، بل هو ((منحة)) يمنحها له المستعمِر.
ولكي يطبع الفرد بهذه النفسية، نفسية العبد الذي يأكل من نعمة سيده، فإن كل الوسائل مباحة، وعلى سبيل المثال: فإذا كان الفرد متعلماً، فلا يقال إنه تعلم بل يقال، في منطق الاستعمار، ((نحن علمناه)).
ولا يقتنع الاستعمار بحرمانه من حق العمل في القطاع العام، بل يتبعه حتى في حياته الخاصة كي يمنعه من أن يتصرف في شؤونه ووسائله طبقاً لمصلحته، إذا استطاع الفرد أن يُكوِّن لنفسه هذه الوسائل.
وحيث إن إرادة الاستعمار تقتضي وضع الإِنسان في عالم الأشياء، فإن حكمة إبليس تقتضي أن الإنسان الذي وضع هذا الموضع، لا يجوز له أن يتكلم لغة الإنسان، لأنه ((شيء)) والشيء لا يقول: فكري، وأجرتي، ولقمة عيشي.
ولست أدين، فيما أقدم هنا، إلى بعض آراء تُخطئُ أو تصيب، ولكن أدين إلى وقائع محددة شاهدتها بنفسي، وسجلتها تجربتي الاجتماعية منذ ربع قرن.